عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ ١٣/٥/١٤٢٤هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. أود أن أطرح عليكم هذا السؤال ونرجو منكم المساعدة، وهو: ما المقصود بالنهي يقتضي التحريم ما لم تصرفه قرينة؟ وشكراً.
الجواب
قول العلماء: النهي يقتضي التحريم ما لم تصرفه قرينة، قاعدة مهمة من قواعد أصول الفقه، وهي معتبرة عند جمهور أهل العلم. قال ابن النجار الفتوحي في الكوكب المنير (٣/٨٣)(فإن تجردت صيغة النهي عن القرائن فهي للتحريم عند الأئمة الأربعة وغيرهم) . والمقصود بهذه القاعدة أن النصوص الشرعية من القرآن الكريم أو السنة النبوية إذا وردت فيها أدلة تنهى عن أي أمرٍ فإنه يحرم على الإنسان الإقدام عليه؛ لأن النهي يقتضي التحريم، والمحرّم لا يجوز للإنسان الإقدام عليه. هذا هو الحكم العام، وذلك عند تجرد النهي عن القرائن التي قد تصرفه من التحريم إلى غيره. ومن الأمثلة التي ورد فيها النهي وكان مقتضياً للتحريم - لعدم وجود قرائن تصرفه عن التحريم - قوله تعالى:"ولا تقتلوا أنفسكم"[النساء: ٢٩] ، وقوله:"لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"[النساء: ٢٩] ، وقوله:"ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاَ"[الحجرات: ١٢] ، وقوله عليه -الصلاة والسلام-: "لا تأكلوا بالشمال" رواه مسلم (٢٠١٩) من حديث جابر -رضي الله عنه- وقوله:"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة " متفق عليه عند البخاري (٥٦٣٣) ومسلم (٢٠٦٧) من حديث حذيفة -رضي الله عنه-متفق عليه، وغير ذلك من النصوص التي ورد النهي فيها وكان مقتضياً للتحريم؛ لعدم وجود ما يصرفه عن التحريم. ومن الأمثلة التي لم يقتضِ النهي فيها التحريم - لوجود قرائن تصرفه عنه -قوله- صلى الله عليه وسلم-: "لا يشربن أحدٌ منكم قائماً " رواه مسلم (٢٠٢٦) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال أهل العلم: إن النهي في هذا الحديث محمول على الكراهة، فيكره للإنسان أن يشرب قائماً، وقالوا: إن الذي صرف التحريم هنا إلى الكراهة ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:"سقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زمزم فشرب وهو قائم" متفق عليه عند البخاري (١٦٣٧) ومسلم (٢٠٢٧) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بهذا يتبين أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائماً محمولٌ على الكراهة، وفعله دالٌ على جواز الشرب قائماً. ومما ينبغي التنبيه عليه أن النهي وإن كان يقتضي التحريم عند عدم القرينة، والكراهة عند وجودها، إلا أنه قد يأتي وتُراد به معان أخرى غير التحريم والكراهة، ومن ذلك:
(١) الأدب في قوله تعالى:"ولا تنسوا الفضل بينكم"[البقرة: ٢٣٧] .
(٢) التحقير لشأن المنهي عنه، ومن ذلك قوله تعالى:"لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به"[الحجر: ٨٨] .
(٣) الدعاء ومنه قوله تعالى:" لا تؤاخذنا إن نسينا "[البقرة: ٢٨٦] وقوله:" ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا"[البقرة: ٢٨٦] .
(٤) اليأس ومن ذلك قوله تعالى: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"[التوبة: ٦٦] .
(٥) بيان العاقبة ومنه قوله تعالى:"ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون"
[إبراهيم: ٤٢] .
ونحو ذلك. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.