[مفهوم السنة بين الوجوب والاستحباب!]
المجيب د. سعيد بن متعب القحطاني
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ١٢/٠٢/١٤٢٧هـ
السؤال
كيف أفرِّق بين السنة الواجبة وغير الواجبة؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد أطلق علماء الشريعة لفظ السنة، واصطلح أهل كل علم منهم على معنى له عندهم، وهذه المعاني في الجملة لا تتنافى في مؤداها، إلا أن بينها عموم وخصوص والمؤثر فيه المواضعة والاصطلاح.
فالسنة -مثلاً- عند المحدثين تطلق على جميع ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلُقيَّة أو خَلْقيَّة، وهي بهذا المعنى تشمل كل ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر به أو النهي عنه؛ سواء كان الأمر إيجاباً أو ندباً والنهي تحريمًا أو كراهةً، وكذلك الحال بالنسبة للمباح.
إلا أنها استعملت استعمالاً خاصاً عند الفقهاء والأصوليين بمعنى ما طلب طلباً غير جازم، فخرج بذلك الواجب والمحرم والمكروه؛ لأن طلب الواجب جازم، والمحرم والمكروه غير مطلوبين، والمباح مخير فيه بين الفعل والترك فلا طلب حقيقي فيه.
ومن هنا فكلمة (السنة) الواردة في السؤال فيها إجمال يرد عليه قادح الاستفسار وهو: ما المراد بالسنة هنا؛ عند المحدثين أم عند الفقهاء والأصوليين؟ فتحتاج إلى تحرير المراد.
فإن أريد بها عند المحدثين فالسؤال متجه، فهناك سنة واجب العمل بها، وسنة مندوب العمل بها، والمراد بها هنا ما ثبت بالسنة.
وإن أريد المصطلح عليه عند الفقهاء والأصوليين فالسنة عندهم: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه؛ فلا تشمل الواجب.
وعليه: فإن من أطلق السنة الواجبة أراد به الطلب الجازم مما ورد في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ومن أطلق السنة غير الواجبة أراد اصطلاح الفقهاء والأصوليين في المراد بالسنة، وهي ما طلب طلباً غير جازم.
وننبه هنا إلى أن ابن السبكي قد ذكر في "الإبهاج شرح المنهاج ١/٣٦" أن في السنة اصطلاح، وهو ما علم وجوبه أو ندبيته بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم.
وننبه إلى أمر آخر؛ وهو أن هناك سنة مؤكدة كرغيبة الفجر وصلاة الوتر، وضابطها ما واظب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الترك ما بلا عذر.
يمكن أن يعرف الفرق بين السنة والواجب بأشياء منها: حقيقة الأمر الوارد بها، وهل هو جازم أو غير جازم؟ ومن حيث ترتب الثواب والعقاب على الفعل والترك، والمسألة دقيقة في تحديد الفرق بينهما في الواقع، وينبغي تتبع كلام العلماء في تحديد السنة الواجبة من غيرها؛ لمعرفتهم بصوارف الأمر عن الوجوب والقرائن الحالية والمقالية لنوع الأمر الشرعي، والله أعلم.