للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة الاقتضاء والإيماء]

المجيب عبد الله بن سعد الكليب

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ ٩/٢/١٤٢٥هـ

السؤال

فضيلة الشيخ: يذكر الأصوليون ويقولون دلالة الاقتضاء ودلالة الإيماء ومفهوم المخالفة ومفهوم الموافقة، وغير ذلك من الدلالات، نريد القول الراجح في العمل بهذه الدلالات مع خلاصة مبسطة لكي يسهل علينا حفظها وفهمها مع ذكر أمثلة وجزاكم الله خيراً.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله. وبعد:

فتنقسم دلالة اللفظ على الحكم عند الجمهور إلى قسمين هما: منطوق ومفهوم ولكل منهما أقسام:

المنطوق وأقسامه:

المنطوق هو: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وذلك كدلالة قوله: "لا يغتب بعضكم بعضا" [الحجرات:١٢] على النهي عن الغيبة وهو قسمان: صريح وغير صريح، والصريح هو: هو ما وضع اللفظ له فيدل عليه بالمطابقة أو التضمن، كالمثال السابق وكما في قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة:٢٧٥] ، فإنه يدل بمنطوقه الصريح على حل البيع وحرمة الربا. والمنطوق غير الصريح هو: ما لم يوضع اللفظ له، بل هو لازم لما وضع له، أي هو دلالة اللفظ على الحكم بطريق الالتزام لا بطريق المطابقة والتضمن وله أقسام:

١- دلالة اقتضاء وهي دلالة اللفظ على ما يكون مقصودا للمتكلم ويتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعاً، ومثال الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه ابن ماجة (٢٠٤٣) وصححه الألباني، فإن الخطأ والنسيان لم يرفعا بدليل وقوعهما من أمته إذن فلا بد من تقدير شيء حتى يكون الكلام صادقا وذلك بأن نقول رفع إثم الخطأ والنسيان أو نحو ذلك.

ومثال الثاني: قوله تعالى: "واسأل القرية" [يوسف:٨٢] فإن هذا الكلام لا بد فيه من تقدير لفظ لكي يصح عقلا وهو لفظ الأهل إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلاً.

ومثال الثالث: قوله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" [البقرة:١٨٤] فتقدير الكلام فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر إذ إن المريض والمسافر إذا صاما فلا قضاء عليهما شرعاً. فاحتجنا إلى تقدير لفظ فأفطر.

ودلالة الإيماء هي: دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم لا يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً بسبب اقتران الحكم بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان اقترانه به غير مقبول ولا مستساغ فيفهم منه التعليل ويدل عليه وإن لم يصرح به، ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق" أخرجه الترمذي (١٣٧٨) وأبو داود (٣٠٧٣) ، وأحمد (٢٢٢٧٢) ، ومالك (١٤٥٦) وصححه الألباني فهنا اقترن تملك الأرض بوصف الإحياء فلو لم يكن وصف الإحياء علة في التملك لكان ذكر هذا الوصف لا معنى له، دلالة الإشارة هي: دلالة اللفظ على لازم غير مقصود للمتكلم، ومثاله قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" [الأحقاف:١٥] مع قوله تعالى: "وفصاله في عامين" [لقمان:١٤] فإنه يدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهذه الدلالة ليست هي المقصود بالآيتين، وإنما المقصود في الآية الأولى هو بيان حق الوالدة وما تقاسيه من التعب في الحمل والرضاع، والمقصود في الآية الثانية بيان أكثر مدة الرضاع، ولكن هذه الدلالة لازم للمقصود من الآيتين.

القسم الثاني: المفهوم وهو: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة.

مفهوم الموافقة: هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في معنى يدرك من اللفظ بمجرد معرفة اللغة دون الحاجة إلى بحث واجتهاد، ومثاله قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف" [الإسراء٢٣] فإنه يدل على تحريم الضرب - وهو المسكوت عنه - لاشتراك التأفف والضرب في معنى الإيذاء.

ومفهوم المخالفة: هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه مخالف لما دل عليه المنطوق، ومثاله: قوله تعالى:" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" [النساء:٢٥] ، فإنه يدل على تحريم الزواج بالإيماء عند استطاعة طول الحرة، وكقوله تعالى: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" [الطلاق:٦] ، فإنه يدل على عدم وجوب النفقة للمعتدة غير الحامل، وهذه الدلالات جميعها صحيحة ومعتبرة على تفاوت بينها في قوة الدلالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>