[الجمع بين حسن الظن بالله والخوف والرجاء]
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الخوف والرجاء
التاريخ ٢٣/١/١٤٢٥هـ
السؤال
كيف نوفق بين الحديث القدسي الذي يقول: "أنا عند حسن ظن عبدي بي ... "، وبين: "منزلة الرجاء والخوف..؟ " نرجو الإفادة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته خرجه مسلم في صحيحه كتاب: (الجنة وصفة نعيمها) ، باب الأمر بحسن الظن بالله، حديث رقم: (٢٨٧٧) جـ (٤/٢٢٠٥) عن جابر - رضي الله عنه- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن".
وفي لفظ آخر عند مسلم برقم: (٢٦٧٥) ، جـ (٤/٢٠٦١) ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني.." الحديث.
قال ابن القيم - رحمه الله- "يعني ما كان في ظنه فأنا فاعله به" انظر الجواب الكافي (١/٣) ، ولا تعارض بين حسن الظن بالله وبين منزلة الرجاء، إذ إن حسن الظن بالله رجاء، قال ابن القيم - رحمه الله-: "وحسن الظن هو الرجاء؛ فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور" انظر الجواب الكافي (١/٢٤) . والعبد -يا أخي- مطالب بتحقيق الخوف والرجاء إذ هما من ركائز العبودية الصحيحة، والمؤمن حاله بين الخوف والرجاء يرجو رحمة الله ويحسن الظن بربه، ويخشى عذابه واستدراجه، وبذلك يستقيم أمره وتنتظم أحواله، على أنه ينبغي أن يعلم أن الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى الله والرجاء لا يكون رجاءً صحيحاً إلا إذا كان معه عمل، وحسن الظن يكون مع الإحسان فالمحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، انظر الجواب الكافي (١/٣) .
والفرق بين الرجاء والأماني وبين الرجاء والغرور واضح لمن تأمله، قال ابن القيم - رحمه الله-: "والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل"، وبَيَّن في موضع آخر الفرق بين حسن الظن والغرور "فحسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور"، انظر الجواب الكافي (١/٢٤) .
وقال أيضاً: "المؤمن يجمع بين الإحسان مع الخوف وسوء الظن بنفسه، والمغرور حسن الظن بنفسه مع إساءته" انظر مدارج السالكين (٢/٩٥) .
فاجمع يا أخي بين الخوف والرجاء، وأحسن ظنك بربك يستقم أمرك وتنتظم حياتك، واعلم أن الخوف والرجاء كما قال بعضهم كجناحي طائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإن نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حدّ الموت.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.