سؤالي عن حجية قول الصحابي عند الأصوليين، وأثر ذلك عند الفقهاء؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد اختلف العلماء في حجية قول الصحابي في ذاته إذا قاله إنه رأي له، وذلك بعد أن تقرر أن الصحابة كلهم عدول؛ لتعديل الله لهم وترضيه عنهم من فوق سبعة أطبقة، ولثناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم ونهيه عن سبهم، وغير ذلك مما يدل على عدالتهم.
وأول من أثار الخلاف في هذه الحجية واعترض عليها هم الصحابة أنفسهم، فهذه عائشة -رضي الله عنها- تعترض على زيد بن أرقم -رضي الله عنه- في جواز بيع العينة. انظر مصنف عبد الرزاق (١٤٨١٢) ، وسنن الدارقطني (٣/٥٢) ، وسنن البيهقي (٥/٣٣٠) . وكذلك اعتراض عمر على أبي بكر -رضي الله عنهما- في قتال مانعي الزكاة، والتسوية في العطاء وغير ذلك، انظر صحيح البخاري (٧٢٨٥) ، وصحيح مسلم (٢٠) ، والإحكام للآمدي (٤/٤٤) . وإن كان متأخرو العلماء قد أخرجوا هذه الصور عن محل النزاع بنصهم على أن ما خالف فيه الصحابي صحابياً آخر غير محتج به.
إلا أن الخلاف اشتهر كثيراً بعد ذلك بين أرباب المذاهب؛ ومحله فيما إذا ورد عن الصحابي قول في حادثة لم تحتمل الاشتهار بين الصحابة، ثم نقل هذا القول عند التابعين ولم يخالفه صحابي آخر، فقد ذهب العلماء في ذلك مذاهب، فاشتهر عن مالك وابن حنبل القول بحجيته وهو قول الشافعي القديم، واشتهر عن الشافعي في الجديد أنه ليس بحجة، وللحنفية تفصيل في ذلك، فقد فرقوا بين ما وافق القياس وما خالفه، فما وافق فليس بحجة، وأما ما خالف القياس فهو حجة عندهم، وفرق بعضهم بين ما لا يدرك بالرأي وما يدرك بالرأي؛ فما لا يدرك بالرأي فهو حجة عندهم، وأما ما يدرك بالرأي فإن اشتهر ولم يعرف له مخالف فهو حجة، وأما إن لم يشتهر فهو مختلف فيه.
ومن الفروع الفقهية التي أثر فيها خلاف العلماء: حكم سجود التلاوة، وصلاة الجمعة لمن صلى العيد، وزكاة الحلي، وبيع العينة، وحكم النكاح في العدة، وخيار العيب في النكاح، وغيرها.
والمراجع في هذه المسألة وأثرها في الفقه كثيرة، وقد حفلت كتب أصول الفقه بالكثير منها، وكذلك اعتنت بها كتب بناء الفروع على الأصول؛ انظر مثلاً: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني طبعة الرسالة الخامسة (ص١٧٩) وما بعدها، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي طبعة الرسالة الثالثة (ص٤٩٩) وما بعدها، ومفتاح الوصول للتلمساني طبعة دار الكتب العلمية (ص١٦٦) ، وانظر كذلك: أثر الأدلة المختلفة فيها لمصطفى ديب البغا (ص٣٣٥-٤١٩) . والله أعلم.