قرأت في كتب عديدة أن المجتهدين درجات، وعدّ النووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم في أدنى درجات الاجتهاد. وهو الذي لا يجوز له أن يفتي إلا أن يجد لإمام مذهبه نصاً فيقيس عليه. فإذا كان هذا صحيحاً فكيف نعرف درجات المفتين اليوم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هناك المجتهد العام، الذي يتمكن من الإفتاء في كل المسائل، أصولاً أو فروعاً، ويعرف الأدلة ووجه دلالتها، مثل الأئمة الأربعة، فإن الله فتح عليهم، وتمكنوا غالباً من معرفة النصوص وفهمها، فهؤلاء يفتون في كل مسألة بحسب ما فتح الله عليهم، ومع ذلك فإنهم قد يخطئون وتفوتهم بعض الأدلة، ولأجل ذلك ورد نهيهم عن تقليدهم لمن عرف الحق وعرف الأدلة، ولاشك أن النووي، وابن حجر العسقلاني، وابن تيمية، وابن عبد السلام، والسيوطي، وابن عبد الوهاب، ونحوهم، قد بلغوا رتبة يتمكنون فيها من الاجتهاد، ولكن يغلب على كثير منهم التقليد والتقيد بأحد المذاهب، ومنهم من يجتهد ويفتي ولو خالف مذهب إمامه، كابن تيمية -رحمه الله- فإنه كثيراً ما يخالف مذهب أحمد، ويخالف أيضاً علماء زمانه في مسائل اجتهد فيها بما يناسب الحال، ثم إن هناك في هذه الأزمنة علماء يتمكنون من بحث المسألة في جميع المذاهب، والمقارنة بين الأدلة؛ حتى يعرفوا الراجح ويعتمدوه، فمثل هؤلاء اجتهادهم نسبي، وليس في كل المسائل أصلية أو فرعية، فإذا بحث أحدهم مسألة في الصلاة أو في الزكاة أو في الحج، وأتى على جميع ما يتعلق بها، وفهمها فهماً كاملاً، فله أن يفتي فيها، ولو خالف مذهب إمامه، ولا يفعل ذلك في كل المسائل التي لم يتمكن من بحث مواضعها.