أنا شاب اهتديت منذ سنة ونصف، ولكن الحال لم يستمر، فبدأت منذ ثلاثة أشهر أقصر في بعض الجوانب، حتى جاءتني قناعة بأني لا أصلح للالتزام، وأنه لا رجاء من صلاحي، ولكني عازم خلال هذه الإجازة الصيفية على الذهاب إلى أحد المراكز لحفظ القرآن، ولكن - للأسف - أشعر أحيانا أن ما سأقوم به رياء، وأني أريد من حفظ القرآن أن أنشط ذاكرتي وأقويها وأنه ليس لله، أرجو منكم أن توضحوا لي كيف أطرد الوساوس التي تشعرني بأن ما أقوم به رياء؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد.
فالهداية إلى الخير والاستقامة على الصلاح فضل من الله يستحق الشكر، لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه المغريات والملهيات ووسائل الشر. والقابض على دينه كالقابض على الجمر، فأسأل الله أن يديم عليك الهداية ويمن عليك بالثبات على الاستقامة، وإن من دلائل توفيق الله لك -الآن- أنك تشعر بهذا الشعور، وهو خوفك من نقصان مستوى الطاعة.
أما شعورك الذي - وللأسف - تحول إلى قناعة بأنك لا تصلح للاستقامة فهو شعور خاطئ، وتفكير أعوج. واعلم أن النفوس تختلف من حيث ارتياحها للعمل الصالح، فأحياناً تكون نشيطة جداً وراغبة فيه ومقبلة عليه، وأحياناً أخرى تجد النفس مللاً وكسلاً، فيقل اهتمامها وتضعف في صلتها بالله، لكن هذا الضعف لا يدوم، فإن مؤثرات الحياة متغيرة، وقد قال أحد السلف:(إن للنفوس إقبالاً وأدباراً فإذا هي أقبلت (يعني رغبت في الخير) فألزموها بالطاعة، وإن هي أدبرت فاحجزوها عن المعصية.
وأنت كغيرك ستجد نفسك مرة مرتاحاً للطاعة وتحب المزيد منها، ثم تجد كسلاً أحياناً أخرى. فلا تيأس، ودع القناعة التي تدعيها بأنك لا تصلح للاستقامة، فهذا تثبيط من النفس الأمارة بالسوء، وتشجيع من الشيطان الحريص على ضلالك، لكن اعقد العزم الصادق على غلبة الهوى والنفس، واستعن بالله وواظب على ما تستطيع من نوافل، ولا تتأخر أو تقصر في واجبات أوجبها الله، والذي أنصحك به الآن -حتى لا تغلبك نفسك، ولا يسيطر عليك هذا الوسواس فيوحي لك بأنك لا تصلح للصلاح- أن تبحث عن صحبة صالحة وحلقة تحفيظ ولو كانت بعيدة عن بيتك، وتكثر من تلاوة القرآن، وتبكر في المجيء إلى المسجد، وتكثر من الدعاء وأنت ساجد بأن يثبتك الله على الحق، ويعينك على نفسك والشيطان، وأكثر من قول:(يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) ، قل هذا الدعاء في السجود وقبل السلام.
أما قولك بأن حرصك على حفظ القرآن يوحي لك الشعور بأنه ليس لله، فهذا ليس صحيحاً، بل ادخل بعزيمة ونية صادقة، ولا تهمك هذه الوساوس والخيالات.