للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معاناتي تتضاعف عندما أرى معاناة الآخرين!!]

المجيب د. محمد بن عبد الرحمن السعوي

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى

التاريخ ٢٧/٨/١٤٢٢هـ

السؤال

مشكلتي هي أنني أعاني نفسياً عندما أرى مريضاً أو ميتاً , فما الحل - في نظركم -؟

الجواب

أيها الأخت الكريمة ...

لا أظن أنه من السليم أن تصفي حالتك بالمشكلة بمجرد أنك تُعانين من أتعاب نفسية حينما ترين مريضاً أو ميتاً، إذ هذا هو الأصل , والمشكلة حقيقة لو كان العكس هو الذي يحصل معك، بمعنى أنك لا تجدين أي شعور بالتعب النفسي والألم القلبي حال رؤيتك لمثل هذه المشاهد.

إن وجود مثل هذه المشاعر والأحاسيس لديك إنما هو دليل على رقّةٍ في القلب وإحساسٍ بالآخرين , وما يعانون من آلام مرضية تعصف بهم. فنحن في هذا العالم اليوم بأشد الحاجة إلى مثل هذه القلوب اللينة والمشاعر النبيلة، التي تتألم لتألم الآخرين , وتحس بهم , وتشعر بجراحهم، بل هو المصداق التطبيقي لقول الرسول:"مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". رواه مسلم وأحمد.

الغالب على كثيرٍ من الناس في عالم اليوم هو التبلّد في المشاعر والقساوة في الأحاسيس حتى أصبحت القلوب كالحجارة في قسوتها وشدّتها , وانطفأ جراء ذلك نور الحنان والرأفة والرحمة من صدورهم إلا من رحم الله , وأصبح الواحد منهم يسمع ويرى غيره من إخوانه المسلمين يعاني الآلام المرضية أو غيرها ولا يهز ذلك من مشاعره بل ربما يبخل حتى بالدعاء له بالعافية والشفاء، هذه في الحقيقة هي المشكلة التي يحتاج صاحبها لحلٍ يساعده على انتشال حاله القاسية ونفسيَّته المتبلدة من براثن هذا المرض العضال.

أما حالتك - أختي السائلة - فهي حالة صحّية طبيعة تنم - كما قلت - عن قلب نابضٍ بالرقة والمحبة للآخرين وشعورٍ بالرأفة بهم وما يعانون من آلام، هذا من جانب.

الجانب الآخر - أختي الكريمة - والذي أرى وجوب التنبيه إليه هو ألاّ تطغى هذه المشاعر على قلبك وفؤادك حتى تتجاوز الحد المطلوب، وتتعدى المساحة المسموح بها في قلبك , فتنقلب بذلك إلى تطرّفٍ يعود عليك بالتعب والمرض النفسي المتواصل. التوسط في الأشياء المادية والمعنوية هو المطلوب، فلا يكن قلبك قاسياً لا يشعر بالآخرين وما يعانون، وفي الوقت نفسه لا تتجاوزي الحد المطلوب في الشعور بالآخرين حتى كأنك أنت المريضة , أو تعانين من آلام نفسية ربما تكون أعظم ألماً من آلام المريض نفسه.

أنتِ لم تُبَيْني في سؤالك - بالدقة - كيف هي معاناتك النفسية جراء مشاهدتك لمعاناة الآخرين، هل هي معاناة نفسية تدوم وتصل حد المرض النفسي المؤرّق والمتعب والمتواصل لفترة زمنية طويلة وهذا بحد ذاته يتطلب منك مراجعة أو زيارة طبيب مختص للنظر في حالك. أما إن لم يكن كذلك فهو - كما قلت - مظهر صحي , وعلامة واضحة على نبض قلبك وامتلائه بالرأفة والرحمة. والله يحفظك.

<<  <  ج: ص:  >  >>