للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رغبتُ عن الزواج، فهل علي إثم؟!

المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم

عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ استشارات نفسية وتربوية/أخرى

التاريخ ٢٢/١/١٤٢٥هـ

السؤال

بعيداً عن منافع النكاح؛ فقد كرهت الزواج وقررت عدم الزواج حتى أقضي نحبي فهل أصبح منافقاً، إذ يقول تعالى "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم"، والزواج مما شرع الله؟ وهل يحبط عملي وأخرج من الملة، إذ يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام ما معناه: الزواج من سنتي "ومن رغب عن سنتي فليس مني"، علماً بأنه لا عذر لي في ذلك سوى المقت؟ أرجو فقط أن يجاب عن سؤالي. وجزاكم الله خيراً ...

الجواب

الحمد لله، وحده، وبعد: فجواباً على السؤال، أقول:

الذي يظهر من سؤال السائل الكريم أنه لم يكره الزواج تديناً ورهبانية، ولا كرهه لكونه سنة نبوية أو لكونه من الدين الحنيف، وإنما كره الإقدام عليه لواقع اجتماعي معين، يعيشه في بيته أو في مجتمعه، وهذا الواقع المر - كما يبدو - كان سبباً في ردة فعل غاضبة، جعلته يتخذ هذا القرار، وهو عدم الزواج مدى الحياة، ولو فوت منافع النكاح كما أشار إليه - وهذا التصرف كما يظهر، لا يعد نفاقاً ما دام أن القلب مطمئن بالإيمان، وما دام أنه يحب الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما جاء عن الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-.

وأما الآية الكريمة: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله ... " [محمد: ٩] ، فقد جاءت في ذم الكفار الذين يبغضون ما أنزل الله تعالى، وهكذا كل من أبغض كتاب الله أو ما جاء به كتاب الله - عز وجل فهو كافر ولو ادعى الإيمان، كما قرر ذلك غير واحد من أهل العلم، لهذه الآية الكريمة وغيرها. وذلك بشرط أن تتوفر شروط التكفير، وتنتفي موانعه.

ولذا لا ينبغي للسائل أن يقول أبغض الزواج وأمقته، وإنما يقول: لا أريد الزواج أو أكره الإقدام عليه، تأدباً في اللفظ؛ لأن هذا هو مراد السائل كما يبدو، ولأن المؤمن يحب كل ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو فرط في بعض ذلك.

وأما الحديث المشهور المشار إليه في السؤال ".. ومن رغب عن سنتي فليس مني" رواه أحمد (٢٢٩٦٣) فالمراد بقوله: "فليس مني" يعني: ليس على طريقتي، كحال هذا السائل الذي قرر ترك هذه السنة المحمدية، فهو مخالف لطريقة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنته، كما صرح بهذا المعنى الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/١٠٦) ثم أشار إلى أن هذا الحديث يحتمل معنى آخر، وهو أن الرغبة عن هذه السنة إذا كانت من باب الإعراض والتنطع المفضي إلى ترجيح وتفضيل غيرها عليها؛ فإن المعنى يكون لهذا الحديث "فليس مني" أي: ليس على ملتي؛ ولذا فلا أرى أن هذه النصوص تتناول حال السائل لأنه لا يريد الزواج لعدم مناسبته لنفسيته وظروفه - فيما يُظن - وليس لأمر آخر، وهذا ليس من كارهية ما جاء به الدين ولا من الرغبة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

بقي أن أنصح الأخ السائل بمحاولة معالجة وضعه وذلك بمراجعة طبيب نفسي إن كان السبب نفسيًّا أو طبيب مختص إن كان السبب عضويًّا، وعدم تفويت هذه السنة النبوية وما فيها من منافع كبيرة اقتضتها حكمة الله الذي شرعها لعباده وجعلها من آياته، وفعلها وحض عليها رسله وأنبياؤه. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>