للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحديد دية القتل]

المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى

أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

التصنيف الفهرسة/الجنايات

التاريخ ٢٤/١١/١٤٢٥هـ

السؤال

سماحة الشيخ: ما الحكمة من عدم تحديد الدية عند القتل؟ وبعض الناس قد يطلب ٨ مليون ريال، ديةً، وسمعنا ذلك، فهل تفيدونا جزاكم الله، أفيدونا مأجورين.

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فالجواب: أن الدية محددة في قتل الخطأ وشبه العمد، أما في العمد فيجب القصاص أو الدية إن اختارها ولي المقتول، حيث إنه يخيّر بين القصاص والدية؛ لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَن قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إمَّا أنْ يُفْتَدَى، وإمَّا أنْ يُقِيدَ". أخرجه البخاري (٢٤٣٤) ومسلم (١٣٥٥) . هذا وعفوه مجانًا أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: ٢٣٧] . فإن اختار الولي الدية فليس له غيرها، وهي أيضًا محددة، وللولي أيضًا الصلح على أكثر منها، وهنا لا تحديد ولو طلب الولي ما ذكر في السؤال أو أكثر فله ذلك إلا أنه يشرع له ألا يبالغ.

هذا، والحكمة والله أعلم في عدم التحديد هنا أن القتل العمد جريمة عظيمة ترتجف لها القلوب، وتتصدع لها الأفئدة، وينزعج منها أولو العقول، وما كانت لتصدر من مؤمن على مؤمن، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً.....) الآية. ثم قال في الآية التي تليها: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) . الآيتان من سورة [النساء: ٩٢، ٩٣] . فأي وعيد أبلغ من هذا الوعيد، فالقتل العمد ذنب عظيم لا تقوى عليه الكفارة، فهو إزهاق لنفس عمدًا بغير حق جزاؤه القصاص، وهو قتل القاتل جزاءً وفاقًا، فإذا اصطلح أولياء المقتول على مال ولو كثر فهو خير للقاتل من أن تزهق نفسه، فتفوت عليه نفسه وما يملكه. هذا، ومشروعية العفو لأولياء المقتول إلى مال، ولو كثر، رحمة من الله، وتخفيف؛ ولهذا قال الله سبحانه في آيات القصاص: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة: ١٧٨] . والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>