[هل يأخذ الظن الغالب حكم اليقين؟!]
المجيب د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ٢٣/١١/١٤٢٦هـ
السؤال
هل المظنة تقوم مقام الحقيقة؟ وما رأيكم بكلام شيخ الإسلام، حيث يقول: (إن المظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية، وكانت المظنة تفضي إليها غالباً) ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا الكلام لابن تيمية يتضح معناه في خمس نقاط:
أولاً: معنى المظنة من الظن، والظن هو الاحتمال الراجح الغالب. ومظنة الشيء: موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه.
ثانياً: متى ينزل الظن بالشيء منزلة القطع به؟
والجواب: أن الظن إذا كان غالباً فإنه ينزل منزلة القطع واليقين، وذلك بشرط أن يتعذر اليقين، ويقابل ذلك: أن الاحتمال إذا كان ضعيفاً فإنه لا يلتفت إليه ولا يؤخذ به.
وقد ورد في هذا المعنى قواعد كثيرة منها: ما قارب الشيء يعطى حكمه، ووجوب العمل بالظن في الأمور الشرعية والعادية، والنادر لا حكم له، واليسير معفو عنه.
ثالثاً: فائدة وثمرة هذه القاعدة أن اليقين عزيز، وتطلبه والتوقف على حصوله أمر شاق، بل قد يكون محالاً، وانتظار اليقين يفضي إلى التوقف وتعطيل الأحكام.
رابعاً: قول ابن تيمية: (إن المظنة تقوم مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية) ، لعله يريد بذلك أن المظنة في باب التعبدات لابد من اعتبارها، وذلك لأن التحقيق فيها من تحصيل مقصود الشارع يكون متعذراً بخلاف العادات والمعاملات التي تعرف عللها، ويمكن الاطلاع على الحكمة منها.
خامساً: الأمثلة على ذلك: علامات البلوغ مظنة الرشد الذي هو مناط التكليف، وسكوت البكر مظنة رضاها، ووجوب طلب الماء قبل التيمم لمن غلب على ظنه وجود الماء. فهذه أمثلة لما ظهرت حكمته، أما ما خفيت حكمته، فمثل القول بوجوب الوضوء من مس الذكر ومن مس المرأة، ومن أكل لحم الجزور، فإن هذه الثلاثة مظنة إثارة الشهوة المفضية إلى نقض الوضوء، وهذا ما قصده ابن تيمية في كلامه السابق. والله أعلم.