للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعيش تناقضاً في حياتي

المجيب د. عبد العزيز بن علي الغريب

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى

التاريخ ١٨/٠٣/١٤٢٦هـ

السؤال

فضيلة الشيخ: السلام عليكم.

أنا شاب، عمري ٣٠ سنة، متزوج ولدي أبناء، متخرج من كلية شرعية بتقدير امتياز، وذو طموح كبير جدًا، وفهم وإدراك لا بأس به، ووضعي الاقتصادي جيد، أحفظ القرآن -ولله الحمد- مشكلتي أنني أعيش حياة التناقض منذ خمس عشرة سنة، تعرَّفت على صحبة خيرة -ولله الحمد- في بداية المرحلة المتوسطة، ونشأت معهم، لكن ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش في صراع نفسي كبير جداً، لم أحسن التعامل معه بحكم صغري وقلة الفهم والعلم والإدراك، حتى نما هذا الصراع مع كل يوم وشهر وسنة، كيف ذلك؟! إليكم خبره لعلي أجد لديكم ما يشفي فؤادي، وينقلني من تعاستي إلى رحاب السعادة، بعد تعرفي على الصحبة الصالحة، وما يحثون عليه من الإيمان والطاعة ومكارم الأخلاق، كنت أرى نقيض ذلك في البيئة القريبة مني (المنزل بالتحديد) ، فالصلاة مضيعة من غالب أفراد العائلة، والتلفاز، وبعده القنوات الفضائية حديث المجلس، والغناء معتاد سماعه بين إخواني، وكل ذلك ليس هو المشكلة! المشكلة في السبيل الذي اتخذته في التعامل مع كل ذلك، ففي أحيان كنت حريصاً على الصلاة، ممتنعاً عن مشاهدة الحرام، وخلال ذلك أنصح إخواني بالصلاة والطاعة والامتناع عن مشاهدة التلفاز، ثم يغلبني الهوى والشيطان فأعود إلى التأخر عن الصلاة والنوم عنها، ومشاهدة المحرم، مع قناعتي بقبح هذا المسلك وشؤمه علي، ومحبة الخير وكراهية المعصية، بدليل حفظي للقرآن في عمر السابعة عشرة، ولكن كنت ضعيفاً وحيداً، ليس بيدي شيء، وأجد أثناء ذلك السخرية والكلام الجارح من أفراد العائلة، ولكن الأمر كان على هذا الديدن صحوة إيمانية قصيرة تتلوها غفلة ومعصية أطول وصراع ولوم، وازداد الأمر سوءاً مع انتقالنا للمدينة، وما تختلف فيه عن مجتمع القرية، وطوال خمس عشرة سنة وحتى اليوم وأنا على هذه الحالة، وقد نتج عن ذلك: ضعف في شخصيتي، أشاهد المنكر فلا أنكره، وعدم ثقة بالنفس، اتخاذ العزلة السبيل الوحيد للهروب من الواقع الذي أعيش فيه، ترتب عليه جفاء كبير مع أهلي: والدي ووالدتي وإخواني فبالكاد أحادثهم وبالكاد يحادثوني، نظراتهم لي نظرات ازدراء واحتقار، أكتفي بالصمت عند الجلوس معهم، أحس بأنني قد جنيت عليهم ونفرتهم من الخير بسوء تصرفي، ارتياحي مع الغريب عني أكثر من أهلي، قصرت مع ذلك في بري لوالدي ولأرحامي، انطوائي بدرجة كبيرة، لا أستطيع الابتسامة والحديث الودي الحنون مع أي أحد من أهلي، بل سؤال وجواب فقط، كلما حاولت النهوض ونسيان الماضي وتنظيم حياتي لم أدم على ذلك إلا يسيراً، أحس باحتقاري لنفسي أشد من احتقار غيري لي، ففي بعض الأحيان وأنا جالس وهم يشاهدون التلفاز فأطالبهم بإغلاقه؛ لأنني في قرارة نفسي لا يليق بي -وكوني مستقيماً ولو ظاهراً- الرضا بالمنكر والجلوس إليه، ثم إذا حانت الفرصة لمشاهدته لوحدي لم أتأخر عن ذلك، ثم آتي من الغد بمسوح الكراهة للمحرم، وأنا غير متعمد لذلك، ولا لاتخاذ سبيل النفاق لي سبيلا، ولكن الشيطان ونفسي والهوى والران الذي على قلبي مع مرور السنوات، ثم يحصل الهمز واللمز والانتقاد الحاد صراحة أو تعريضاً. مع ملاحظة أن طموحي في الحياة طلب العلم، خدمة الإسلام بأي سبيل، ووالله إني صادق فيما أقول؛ لما أعلمه من نفسي من محبة للخير

<<  <  ج: ص:  >  >>