للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل تجاب دعوة الساهي في دعائه؟]

المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب

رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها

التاريخ ١٢/٠١/١٤٢٦هـ

السؤال

السلام عليكم.

سمعت من أحد الوعاظ أن من دعا بشيء وعقله في شيء آخر أي أنه ساهٍ في دعائه لا يجيب الله دعاءه، وقال الواعظ إن موسى -عليه السلام- مرّ على رجل يدعو ربه فطلب من موسى-عليه السلام- أن يدعو له حتى يجيبه الله، فقال له ربه: إن الرجل يدعو وعقله في غنمه وأن لو كان عقله معي لأجبته. هل هذا صحيح؟ وجزاك الله خيراً.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، مجيب السائلين، وحبيب التائبين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد النبي الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

أولاً: أدعو الله لك ـ يا أختنا الكريمة ـ أن يحقق لك الخير حيث كان، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأن يهدينا وإياك إلى ما فيه رضاه.

ثانيًا: لم أجد هذه الرواية التي جاءت في سؤالك الكريم في أي من كتب الحديث المعروفة، إلا رواية ضعيفة ساقها الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الضعيفة برقم (٣١٧) وجاء فيها "إن موسى بن عمران مر برجل وهو يضطرب، فقام يدعو له أن يعافيه، فقيل له: يا موسى إنه ليس الذي يصيبه خبط من إبليس، ولكنه جوَّع نفسه لي فهو الذي ترى، إني أنظر إليه كل يوم مرات أتعجب من طاعته لي، فمره فليدع لك فإن له عندي كل يوم دعوة".

ثالثًا: هناك آداب وشروط للدعاء، كما أن هناك موانع لإجابة الدعاء، وإليك ـ أختي الكريمة ـ بعض ما يتعلق بهذا:

قال سهيل بن عبد الله التّستري: شروط الدعاء سبعة: التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال.

وقال ابن عطاء: إن للدعاء أركاناً وأجنحةً وأسباباً وأوقاتاً..... فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، , وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح..، وأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد روى البخاري (٦٣٣٨) ، ومسلم (٢٦٧٨) واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولنَّ: اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له"، وفي الموطأ (٤٩٤) ، وصحيح البخاري (٦٣٣٩) ، ومسلم (٢٦٧٩) : "اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت".

فلا بد من العزم في المسألة والاجتهاد في الطلب ويكون على رجاء من الإجابة ولا يَمل ولا يَسأم ولا يَقنط من رحمة الله التي وسعت كل شيء فإنه يدعو كريماً، وقد قال في هذا المعنى سفيان بن عينية: (لا يمنعنَّ أحداًً من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن الله تعالى قد أجاب شر الخلق إبليس حين دعاه قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين) .

والمؤمن موضعه من ربه أقرب فكان لا بد من حسن الظن بالله عز وجل حين يدعوه ويطلب منه، ففي كل فعل وأداء وأمر ونهي يحسن الظن بالله؛ بأن يقبله ويتقبل منه، وقد أخرج مسلم (٢٨٧٧) في هذا المعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".

وحسن الظن وطهارة القلب وصفاؤه لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض فلا يمكن أن يوجد حسن الظن وتنتفي طهارة القلب فالقلب الداعي لربه العابد له المؤتمر بما أمر يدعو ويطلب، وحُسن ظنه بربه أن يستجيب، يوضح ذلك ما روى شهر بن حوشب أن أم الدرداء -رضي الله عنه- قالت له: يا شهر ألا تجد القشعريرة؟ قلت: نعم، قالت: فادع الله؛ فإن الدعاء مستجاب عند ذلك.

وطهارة القلب وحُسن الظن إن تمازجا أنتجا (الرضا) ، والرضا هو اطمئنان القلب لقضاء الله -عز وجل-، وحين يدعو من اطمأن قلبه ورضي كان دعاؤه مناجاة لربه، وصدق الله العظيم ?اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ? [الزمر:٢٣] .

ولابد في النهاية من حضور القلب والعقل في الدعاء فقد قال صلى الله عليه وسلم: "اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ" الترمذي (٣٤٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>