للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن السياسة]

المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان

عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً

أصول الفقه /السياسة الشرعية

التاريخ ١٧/١/١٤٢٥هـ

السؤال

هل فصل الدين عن السياسة كفر وردة، أم ماذا؟

الجواب

فصل الدين عن السياسة حرام لا يجوز، بل هو كفر وردة عن الإسلام، إذا كان القائل بهذا القول أو العامل به عارفاً بالحكم معتقداً له، فالدين يشمل أمور الحياة كلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ونحوها، كما هو يشمل الأمور الاعتقادية والعبادية سواء بسواء، قال -تعالى-: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: ١٩] ، وقال: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران: ٨٥] ، فمن فصل الدين عن السياسة، أو الدين عن الدولة وهو يعرف ما يقول فقد كفر بالله العظيم؛ لأنه رافض، وراد لأمر الله وحكمه، ومن رد حكم الله فقد كفر؛ حيث نصب نفسه مشرعاً مع الله مستدركاً على دينه بزيادة أو نقص، والله يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة: ٣٠] ، ومن يفصل الدين عن السياسة أو الدين عن الدولة، أو الدين عن الحياة فهو منتقص لله ودينه، وما ارتضاه الله للمسلمين من نعمة، ومن كان له مسكة من عقل كيف يقول بهذه المقولة - فصل الدين عن السياسة- وهو ينظر في القرآن الكريم، آيات الجهاد وأحكامه تكاد تزيد على آيات الصلاة والزكاة والصيام والحج، كما أن الآيات القرآنية فضلاً عن الأحاديث النبوية التي تعنى بالشؤون الاقتصادية كطرق كسب المال وحفظه، وإنفاقه، وسائر أحكامه من حل وحرمة كالنص على التحريم القاطع للربا، قال -تعالى-: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة: ٢٧٥] ، وقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء: ٢٩] ، والمسمى بالفائدة قد أردى الاقتصاد الرأسمالي العالمي اليوم في جميع أنحاء المعمورة فكيف يقال مع هذا أو ذاك إن الإسلام قاصر على علاقة الإنسان بربه من صلاة وصيام وصدقة، أو مما يعرف بالأحوال الشخصية فقط؟ إن الإيمان ببعض نصوص القرآن دون بعض كفر بالدين كله، "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله غافل عما تعملون" [البقرة: ٨٥] .

وفصل الدين عن السياسة أو الحياة هو ما يطلق عليه العلمانية، والعلمانية إذا ارتبطت بالدولة وتطبيقاتها قيل لها دولة علمانية، وإذا ارتبطت بالأفراد فهي فكرة علمانية وصاحبها علماني، وقولنا إن فصل الدين عن السياسة فكرة علمانية كفرية لا يعني هذا تكفير كل من يطلق عليه علماني، حاكماً كما أو محكوماً، ولا يجوز تكفير المسلم المعين حتى تقام الحجة عليه ثم يعذر لجهل كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (٣٤٨١) ، ومسلم (٢٧٥٦) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت، قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فُعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك أو مخافتك يا رب، فغفر له"، ولحديث أبي واقد الليثي-رضي الله عنه-: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عليها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: "اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون" [الأعراف: ١٣٨] ، "إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم" رواه الترمذي (٢١٨٠) ، وأحمد (٢١٣٩٣) ،فذاك الرجل الذي قال تلك المقولة لبنيه: لئن قدر الله علي ... " وهؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم- بمقولتهم هذه: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" لم يكفروا وإن كانت مقولتهم كفراً؛ وذلك لأنهم يجهلون الحكم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة أثناء رده على الجهمية الحلولية الذين ينفون علو الله على خلقه: (..أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال) وأكثر المسلمين الذين يقولون بفصل الدين عن السياسة ناتج عن جهلهم، فلا يصح تكفير واحد منهم بعينه حتى يعلم بخطورة قوله أو فعله، فإن أصر بعد ذلك حكم بكفره وأقيم عليه حكم الردة عن الإسلام، أعاذنا الله منها.

والله أعلم وصلى الله على محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>