للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صلاحية الإسلام لهذا الزمان]

المجيب هاني بن عبد الله الجبير

قاضي بمحكمة مكة المكرمة

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٥/٧/١٤٢٤هـ

السؤال

يثير بعض أهل الأهواء.. شبهات، مثل:

الإسلام غير صالح للتطبيق اليوم، لأن الزمن تغير، ويستدلون أن عمر - رضي الله عنه - أوقف حداً من حدود الله عام الرمادة، لأن الظروف فيه كانت لا تساعد على تطبيق الحد كالفقر وغيره؟ ويستدلون بقصه علي رضي الله عنه حينما أوقف حد القصاص من رجل؟ بماذا نرد على مثل هذه الشبهات؟

الجواب

الحمد لله وحده، وبعد:

فالله تعالى خالق الخلق الذي هو أعلم بمصالحهم وبما يناسب حاجاتهم، قال تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: ١٤] ، وقد أرسل رسوله عليه السلام خاتماً للرسل، قال تعالى: "وخاتم النبيين" [الأحزاب:٤٠] ، وإذا كان خاتمهم فإن كل ما جاء به صالح للأمة إلى قيام الساعة، فإن الله حكيم عليم، ولو علم أنه سيأتي على الناس زمان لا يناسبهم هذا الدين لما ختم النبوة أو لأرشد العباد إلى تغيير الأحكام، ومن آمن بأن الله ربه وخالقه عليم حكيم وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم -خاتم رسله وأنبيائه فإنه لا يكون عنده شك في هذا بحمد الله.

وكل من نظر في أحكام الشرع وتأمل حكمها وجدها على وفق مصالح العباد، ووجدها دليلاً على حكمة مشروعيتها، ولكن قد يرد النقص في ذهن من لم يمعن النظر فيها، أو لم يوفقه الله ويرزقه البصيرة.

وأما إيقاف عمر - رضي الله عنه - حد السرقة عام الرمادة كما في إعلام الموقعين (٣/١٠) فهو بسبب عدم تحقق شروط القطع، لا لأنه غير مناسب لزمانه، بل إذا سرق جائع ليسد رمقه فقد أخذ حقاً له، إذ يجب على صاحب المال بذل ذلك له مواساة له وإحياء له، فإذا بان أن السارق لا حاجة له وهو مستغن عن السرقة قطع، ومعلوم من قواعد الشرع أن الضرورات تبيح المحظورات، والشرع لا يقطع يد السارق إلا بعد التحقق من توفر شروط السرقة في السارق وفي الشيء المسروق، وبعد التأكد من الظروف المحيطة بهذه القضية، فلا يكون قد سرق لدفع الجوع عن نفسه.

ففرق بين إيقاف الأحكام لعدم صلاحيتها وبين عدم تنفيذ القطع في سارق لعدم توفر شروط القطع، فالثاني في الحقيقة مطبق لأحكام الشرع.

وكذلك قضية علي - رضي الله عنه - فإنه لم يقم حد الغيلة على من تاب قبل القدرة عليه، ومن تاب من حد قبل القدرة عليه سقط عنه في أحد قولي أهل العلم، وهو الراجح كما قال تعالى في المحاربين: "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [المائدة:٣٤] ، ونذكر القصة كما جاءت في الطرق الحكمية (١/٨٢) لابن القيم لتبيين أنها حد غيلة إذا قتل طمعاً في مال المقتول فليست القضية قصاصاً بل حد غيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>