عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة
التاريخ ١٣/٧/١٤٢٢
السؤال
إذا أسرف العبد على نفسه بالمعاصي الكبير منها والصغير، ومن ثم تاب إلا أن هناك زلات لاتزال في حياته، وهو غير راضٍ عنها.. فهل يعاقبه الله بأن يفضحه بالذنوب التي تاب منها، ولايستر عليه؟ وهل الشيطان يدخل على الإنسان من هذا الباب؟
الجواب
إن من أجلّ نعم الله على العباد أن فتح لهم باب التوبة على مصراعيه، وأمرهم بها ورغّبهم فيها، ووعدهم عليها قال -جل وعلا- " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " وقال: " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " وفي صحيح مسلم (٢٧٠٢) من حديث أبي بردة عن الأغر -وكان من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لابن عمر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) .
كما أن من نعمة الله على العباد إمهالهم، والصبر عليهم، وعدم معاجلتهم بالعقوبة علّهم يتوبون ويرجعون، ويستدركون بقية أعمارهم بتوبة نصوح وعمل صالح.
فعلى العبد أن يجتهد في التخلص من ذنوبه على الفور والتقلل من سيئاته وخطاياه؛ لأنه لا يدري متى يحال بينه وبين ما يشتهي من التوبة بالموت، ونهاية الأجل، وانقضاء المهلة.
ثم ليثق العبد أنه متى صدق في توبته، وأحسن في رجوعه وعودته إلى ربه أن الله تعالى سيفرح بتوبته، وسيغفر ذنوبه وزلاته مهما عظمت وكبرت برحمة منه وفضل، ومتى تاب العبد وأناب إلى ربه استحب له الإكثار من نوافل العبادات، والمسارعة إلى فعل الطاعات والقربات؛ حتى يضمن رجحان ميزان حسناته، ويعمر صحيفته بما يفرحه ويسعده عند لقاء ربه، ثم ليكن العبد على يقين بأن الله سبحانه وتعالى أجلّ وأكرم من أن يفضح عبده التائب ويخزيه بين العباد حتى وإن ألمّ بذنوب أخر، إذ ليس معصوماً إلا من عصمه الله.
وأما الشيطان فهو حريص كل الحرص على الكيد لابن آدم، والدخول عليه من كل باب سواء قبل التوبة أو بعدها، فقبل التوبة يزيّن له تسويفها، ويقنطه من إمكانية قبولها، وبعد التوبة لا يزال يذكّره بسالف ذنوبه، ويحسن له معاودتها، ويزين له مواقعتها. والخلاص من كيد هذا اللعين يكون بحسن التوكل على الله، وصدق اللجأ إليه -سبحانه- وكثرة الاستعاذة به -جل وعلا- من وسوسة الشيطان ومكره.
ويحسن في هذا المقام التنبيه إلى أهمية مطالعة كتابين عظيمين في هذا الموضوع الخطير وهما:(تلبيس إبليس) لابن الجوزي، و (إغاثة اللهفان) لابن قيم الجوزية؛ فهما -في نظري- من أجود ما كتب في هذا الباب. والله أسأل أن يوفقنا جميعاً إلى توبة نصوح وأن يعيذنا من وسوسة الشياطين ومضلات الفتن.