للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإنكار في مسائل الخلاف]

المجيب وليد بن علي الحسين

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١٩/٠٤/١٤٢٧هـ

السؤال

ما حكم الإنكار في الأمور الخلافية خصوصاً في المسائل العصرية؟

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن كانت المسألة الخلافية قد ثبت فيها نص شرعي من الكتاب أو السنة، فإنه ينكر على المخالف فيها؛ لأن الواجب فيها اتباع النص الشرعي، وقد خالفه.

وإن كانت المسألة الخلافية لم يثبت فيها نص، وإنما هي محل اجتهاد بين العلماء، وقد أخذ كل مجتهد فيها برأي بناه على اجتهاد صحيح، ووقع خلاف بينهم، فهذه لا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً لعالم فيها، وليس لأحد المجتهدين أن ينكر على من خالف رأيه فيها، لأنها مبنية على اجتهاد، وليس لأحد أن يجبر غيره على الأخذ باجتهاده، إذ إن الواجب على المجتهد أن يعمل باجتهاده في المسائل الاجتهادية.

وأما العامي الذي لا يعرف الأدلة، فإن الواجب عليه في المسألة الاجتهادية أن يقلد من يثق بدينه وعلمه وورعه، لا أن يختار من الأقوال ويبني اختياره على التشهي، كما أن كل واحد من المجتهدين لا يجزم بصحة اجتهاده وبطلان اجتهاد غيره، وقد وقع اختلاف بين الصحابة في بعض المسائل الاجتهادية ولم ينكر بعضهم على بعض.

ومن أمثلة هذه المسائل: الاختلاف في وجوب زكاة الحلي المستعمل، فقد اختلف الفقهاء فيها، بين من يوجب الزكاة فيها، وبين من لا يوجب الزكاة فيها، وليس للقائل بأحد القولين أن ينكر على الآخر، وكالاختلاف في جواز المساهمة في الشركات المختلطة التي اختلف الفقهاء المعاصرون فيها على قولين بين مجيز ومحرم للمساهمة فيها، وقد بنى أصحاب كل قول قولهم على دليل.

وعلى هذا التقسيم يُبنى الاختلاف في المسائل العصرية.

وقد فصل ابن تيمية حكم الإنكار في مسائل الاختلاف فقال: "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنةً أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد. وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار ... وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ له إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد، لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء فيها" [الفتاوى الكبرى لابن تيمية (٦/٩٢) ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>