للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رحمة سليمان عليه الصلاة والسلام- بالحيوان وفعله بالخيل]

المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة

التاريخ ٢٢/١١/١٤٢٥هـ

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم ... وبعد. جاء في الآية الكريمة: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) [سورة ص:٣٣] . في تفسير هذه الآية، وفي أصح الروايات أنه بدأ يضرب أعناقها وأرجلها بالسيف. وفي خطاب سليمان للهدهد عندما لم يجده: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ... ) إلى آخر الآية [النمل:٢١] .

سؤالي: لماذا لم يكن سليمان رحيمًا بالحيوانات، كما أُمرنا في الإسلام؟ هل من توضيح جزاكم الله خيرًا؟

الجواب

ذبح الحيوان بمجرده لا يدل على القسوة ولا ينافي خلق الرحمة، ولو كان كذلك لما جاز ذبح ما يؤكل لحمه من الحيوان، ولا قتل ما يؤذي منها.

إنما الذي ينافي الرحمة حقًّا هو الإساءة في القتل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ كتَب الإحسانَ على كلِّ شَيْءٍ، فإِذَا قتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةْ، وإِذَا ذَبَحْتُمْ فأَحسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". أخرجه مسلم (١٩٥٥) . فمن القسوة وعدم الرحمة الذبح بشفرة غير حادة لا تقطع، ونبينا سليمان عليه، وعلى محمد، الصلاة والسلام حينما طفق يقتل الجياد -على القول المرجوح بأن المراد بالطفق والمسح بالسوق والأعناق هو قتلها- لم يقتلها تعزيرًا لها، وإنما لأن حبه لها وانشغاله بها ألهاه عن ذكر الله، وذبح الحيوان المأكول جائز إذا كان سيؤكل، فالحقيقة أنه إنما أراد معاقبة نفسه وردها عن اللهو وكل ما يشغل عن ذكر الله، وليس في الآية ما يدل على أنه قطّع سوقها (جمع ساق) ، فلعل المراد بمسحه لسوقها أنه عرقبها ليسهل عليه ذبحها، فحبسها بالعرقبة عن النفار ثم ذبحها، وتصدق بلحمها على الفقراء، والراجح أن معنى الآية على ظاهرها، وهو أنه جعل يمسح سوقها وأعناقها بيده حبًّا لها وإكرامًا، كما هو تفسير ابن عباس واختاره ابن جرير الطبري في تفسيره. فلا يكون في الآية أي شبهة.

وأما فعله مع الهدهد بأن يعذبه عذابًا شديدًا أو يذبحه أو يأتيه بعذر لغيابه، فلأن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام قد سُخِّر له خَدَمَةً الطيرُ والجنُّ، فكان يأمرها فتطيعه، فلما لم يجد الهدهد عند تفقده للطير رأى في تغيّبه مخالفة لأمره، فكان سائغًا أن يعذبه على مخالفته، فهو قد أوتي منطق الطير وصارت تفهم أمره ويفهم خطابها، فهو تعذيب متوعد على مخالفته لأمره المفهوم وليس تعذيبًا لمن لا يفهم الخطاب، ففعله معه كفعل أي أمير مع من يخالف أمره من أتباعه، ومعاقبة المذنب ليس فيها ما ينافي الرحمة، بل في الآية نفسها ما يدل على رحمته وعدله حتى مع الحيوان حين قال: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل:٢١] . فعلَّق تعذيبه وقتله على عدم عذره في غيابه، وجعل إتيانه بعذر مبين صحيح مانعًا عن تعذيبه وقتله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل:٢١] . والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>