للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الديون أثقلت كاهلي]

المجيب د. رفعت فوزي

رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /اخرى

التاريخ ٢٦/٠٩/١٤٢٦هـ

السؤال

أنا في حالة ضغط نفسي مستمر لكثرة الديون علي، مع أني -ولله الحمد- ملتزم بديني ومحافظ على صلواتي، وعازم على سداد جميع ديوني، لكن أصحاب الديون لا يصبرون، وهم معذورون فهذا حقهم. فماذا أفعل في هذه المشكلة التي تؤرق علي حياتي؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

حقاً -أخي الكريم- إن "الدَّين" هو من أثقل هموم العبد، وهو سبب لكل أرق، ومما يزيده هماً وحزناً أن يقع المدين تحت إلحاح طالبي الحقوق، لذلك -يا أخي- قضى الله دينك- وردت أحاديث كثيرة في التحذير من الاستدانة إلا ما اضطر المرء إليه، لكن لا يصح أن يجاري الإنسان شهوة الاستدانة بداع أو بغير داع، وكونك مهموماً بقضاء دينك ومؤرقاً بسببه فهذا يدل على حرصك على سداده، وإلا لما اهتممت أو لماطلت، فعليك أن تعلم أن العبد إذا اتقى الله وأراد أن يأخذ مالاً ليرفع ضيقاً عن نفسه وأهله، وصدق العزم في رده عند تيسره لقي من الله الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، قال الله تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً" [الطلاق: من الآية٤] .

وقال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: من الآية٢- ٣] .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ أموال الناس يُريدُ أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري في صحيحه، (٥/٥٤)

لذلك عليك -أخي الكريم- أن تجعل سداد الدين همك الأول، وتحاول ترتيب نفسك على ذلك بنية خالصة، وعزم لا يقبل التردد، مع الدعاء والاستعانة بالله تعالى من قبل ومن بعد.

وإن مما يساعد على تقليل الديون -بل القضاء عليها- التخطيط لسدادها والجدولة الشهرية لذلك، سدد بالتقسيط ولا تستقلل المدفوع، وهذا أدعى أن يُذهب عنك همها وغمها وسيجعلك تشعر ببعض الرضا، وسيقلل كثيراً عنك تأنيب الضمير.

وقد جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "لو كان لي مثلُ أحد ذهباً ما يسرُّني أن لا يُمرَّ عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرصدُهْ لدين" رواه البخاري في صحيحه (٥ /٥٥) .

وكذلك لا تتحرج من قبول الزكاة لتقضي بها دينك، فأنت من مصارف الزكاة "الغارمين"، فالحرج كل الحرج من قبول مذلة الدين لا من قبول الزكاة، وعلى مثل هذا أفتى الشيخ محمد العثيمين - يرحمه الله - بقوله: "إن الإنسان إذا بلغ به الحد إلى الحاجة الملحة للزواج، وليس عنده شيء، وليس له أبٌ ينفق عليه ويُزوِّجُه فإن له أن يأخذ من الزكاة، ويجوز للغني أن يُعطيه جميع زكاته حتى يتزوج بها ... ".

كما نذكِّر أصحاب الديون، أو من يستطيع قضاءها عنك تعاوناً على البر وتنفيساً للكرب، نذكرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: "من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة". والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>