للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيف تزيد صلة الرحم في العمر؟!]

المجيب د. نذير بن محمد أوهاب

باحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١١/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

هل بر الوالدين وصلة الرحم تزيد في عمر العبد؟ وهل يعني هذا أن العبد كان سيموت في زمن معين، لكنه بطاعة والديه زِيدَ في عمره؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر".

أخرجه الترمذي (١٩٧٩) ، وأحمد في المسند (٨٨٥٥) ، والحاكم في المستدرك (٧٢٨٤) ، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ومعنى قوله منسأة في الأثر يعني زيادة في العمر.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الذهبي، والطبراني في الكبير (١٧٦) . وقال الشيخ الألباني: صحيح [صحيح الجامع (٢٩٦٥) ] .

وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر". رواه الطبراني في الكبير (٨٠١٤) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن. والزيادة في العمر بسبب بر الوالدين وصلة الرحم قد ورد فيها للعلماء توجيهات عدة، وإن كان جمهورهم قد اتفق على أن الزيادة إنما هي بحسب الظاهر بالنسبة إلى الخلق، وأما في علم الله فلا زيادة ولا نقصان.

قال الحافظ في الفتح: "قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" [الأعراف:٣٤] .

والجمع بينهما من وجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق: العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.

ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها؛ وذلك بالنسبة إلى علم الملك المؤكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلاً: إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، والذي في علم الملك هو الذي تمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:٣٩] .

فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله -تعالى- فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلَّق.

<<  <  ج: ص:  >  >>