دار نقاش بيني وبين أحد زملائي بخصوص حملات الحج، فهو يقول: إن الذي يحج في حملة رخيصة، وبعيدة عن الجمرات -حتى وإن كان قادراً مالياً- أكثر أجراً من الذي يحج في حملة قربية من الجمرات؛ لأن الأجر على قدر المشقة، وأنا أقول: لا توجد فوارق؛ لأن الذي يحج بحملة قريبة يستطيع -بتوفيره للوقت- أن يستغل هذا القرب في العبادة والدعاء، وكذلك هو دفع مالاً أكثر، وهذه كذلك مشقة. أرجو إفادتنا، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك؟ فقيل لها: انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي ثم ائتينا بمكان كذا ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك. أخرجه البخاري (١٧٨٧) .
فيلاحظ هنا أنه علق الأجر على أحد أمرين النصب والنفقة.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وظاهره أن الثواب والفضل في العبادة بكثرة النصب والنفقة. شرح مسلم (٨/١٥٢) .
وقال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال لكنه ليس بمطرد؛ فقد يكون بعض العبادة أحق من بعض، وهي أكثر فضلا وثوابا بالنسبة للزمان، كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام رمضان، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وإلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها، وأطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر من التطوع، أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في القواعد، وقال أيضا: وقد كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم. فتح الباري (٣/٦١١) ، عمدة القاري (١٠/١٢٤) ، كشف الخفاء (١/٥٠) .
وفي حديث "ذهب المفردون بالأجر" ثواب عظيم على عمل يسير، لذا قال الكرماني رحمه الله تعالى:(كيف يساوي قول هذه الكلمات مع سهولتها وعدم مشقتها الأمور الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه، وأفضل العبادات أحمزها، قلت أداء هذه الكلمات حقها الإخلاص، سيما الحمد في حال الفقر من أفضل الأعمال وأشقها.
ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة؛ أَلاَ ترى في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في كثير من العبادات الشاقة " ا. هـ. عمدة القاري (٦ /١٢٩) ، فتح الباري (٢/٣٢٨) ، فيض القدير (٢/٣٤) . والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.