[الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم السلف]
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ ٢٩/١٠/١٤٢٥هـ
السؤال
قال لي أحد الإخوة: إن علينا فقط الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعين؛ فإن فهمهم ملزم لهم ومناسب لعصرهم، أما نحن فنأخذ القرآن والسنة بفهمنا وباعتبار واقعنا، مثلاً مرة قال إن هنالك حديثًا أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم- لامرأة بأن تؤم أهل بيتها في الصلاة. فقلت له: ماذا قال العلماء في الحديث؟ فقال لي: إنني آخذ النص من القرآن والسنة ولا شأن لي بأقوال العلماء.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الواجب على جميع الناس اتباع الكتاب والسنة، والامتثال لأوامرهما، والاجتناب عن نواهيهما، والمسلم متعبد بما جاء فيهما، ولا يُقبل من أي أحدٍ قولٌ يخالف قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم- مهما بلغ هذا المخالف من العلم والدين؛ لأن الله عز وجل تعبدنا باتباع شرعه الوارد في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الحكم العام في تلقي نصوص الشريعة وأدلتها، إلا أنه يجب معرفة أن هذه الطريقة لا تتيسر لكل أحدٍ، وإنما هي طريقة أهل العلم الذين أحاطوا بالأدلة، وتمكنوا من العلوم الشرعية التي تمكنهم من استنباط الأحكام من الأدلة، كما هو مذكور في باب الاجتهاد من كتب أصول الفقه، فإذا كان الإنسان بهذه المنزلة فإن له أن يسلك هذه السبيل في العمل بالأدلة الشرعية.
ومن المهم جدًّا لمن أراد النظر في الأدلة من الكتاب والسنة أن يكون مطلعًا على أقوال أهل العلم، لا ليقلدها ويتبعها، ولكن ليعرف آراء العلماء وينظر في أدلة كلٍّ منهم، وليكون مطلعًا على مواطن الخلاف؛ ليأخذ بما يوافق الدليل، ومواطن الإجماع؛ لئلا يخالفها.
وثمة أمرٌ مهم، وهو: أن هناك أدلةً لا يجوز العمل بها؛ لأنها قد تكون منسوخة أو مؤوَّلة أو معارضة بما هو أقوى منها، والإنسان الذي لم يطلع على أقوال العلماء لا يدرك هذا الأمر، فقد يقع في الخطأ نتيجة تقصيره في الاطلاع على أقوال أهل العلم في المسألة، ونتيجةً لهذا فإنه قد يعمل بدليل منسوخ، أو يعمل بدليل ويترك ما هو أقوى منه.
أما ما يتعلق بفهم الصحابة رضي الله عنهم، فإن المقرر عند العلماء قديمًا وحديثًا أن لأقوال الصحابة من المنزلة والفضل ما ليس لغيرهم من العلماء على مر العصور، وهذا الأمر هو الذي جعل كثيرًا من أهل العلم يعدون قول الصحابي من الأدلة التي يحتج بها على الأحكام؛ لأنهم عاصروا تنزل الوحي وشاهدوا الوقائع مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب ما ذكره الإمام الشاطبي حيث قرر أن الواجب على الناس عمومًا أن يفهموا نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة مثل ما فهمها الصحابة، رضي الله عنهم؛ لأنهم هم الذين خوطبوا بهذه الأدلة أولاً، فلابد أن نفهمها كما فهموها؛ لنعمل بها كما عملوا هم بها.
وإذا نظرنا إلى واقع الصحابة، رضي الله عنهم، نجد أنه قد صدر منهم عدد كبير من الأقوال والأحكام والفتاوى والاجتهادات، والمسلم عمومًا مأمور باتباع الصحابة، رضي الله عنهم، إلا إن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأحوال المصاحبة لتلك الأقوال، وقد فُصِّل القول في هذه المسألة في جواب آخر بعنوان: (التوفيق بين اجتهادات الصحابة) ، وخلاصته أن اتباع الصحابة، رضي الله عنهم، واجب فيما اتفقوا عليه قولاً أو سكوتًا، أما ما اختلفوا فيه فإنه لا يجب اتباع قول معين، وإنما الواجب علينا ألّا نخرج عن مجموع أقوالهم، ولذلك فإنه لا يجوز لنا إحداث قول لم يقل به أحد منهم.
وهذا الكلام عام في كل ما نقل عن الصحابة، رضي الله عنهم، سواءٌ أكان قول الصحابي في مسألة معينة، أو في تفسيرٍ لآيةٍ، أو في شرحٍ لحديث، فأقوالهم متبعة في كل ذلك، ويجب علينا أن نفهم النصوص كما فهمها أولئك القوم المباركون علَّنا أن نلحق بهم، وهذا هو صنيع العلماء على مر العصور، حيث كانوا يستنيرون بأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، واجتهاداتهم، ولا أدل على ذلك من نقلهم لأقوال الصحابة، رضي الله عنهم، وأفعالهم في كتب الآثار والسنن والمسانيد والتراجم، ومن ذلك ما يتعلق بفهم نصوص الكتاب والسنة، فقد حملت لنا كتب التفاسير والسنن والمصنفات والآثار عددًا كبيرًا من الأقوال الصادرة عن الصحابة، رضي الله عنهم- فيما يتعلق بتأويل النصوص من الكتاب والسنة وتفسيرها، بل إن كثيرًا من المفسرين اهتموا بأقوال الصحابة؛ حيث إنهم يفسرون القرآن بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة، رضي الله عنهم.
والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.