فإن المراد بالمقتضى عند الأصوليين: ما يجب تقديره لصدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً، وتعيين اللفظ المقدر مما يدخله الاجتهاد ويقع فيه الخلاف.
وقد وقع خلاف بين الأصوليين في المقتضى: هل يعم أم لا؟
فمن يرى عموم المقتضى حمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث:"فلا صلاة" على نفي الصحة، أي: فلا صلاة صحيحة؛ لأنه لا يمكن حمل النفي على نفي الحقيقة، فيحمل على نفي الصحة، وعلى هذا القول: إذا أقيمت الصلاة المكتوبة في المسجد فلا يجوز أن يُصلَّى شيءٌ من النوافل، ولو تلبس بنافلة بعدما أقيمت الصلاة فإنها لا تصح، وقال بهذا القول جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة وغيرهم.
قال الشوكاني:"يحتمل أن يتوجه النفي إلى الصحة أو إلى الكمال، والظاهر توجهه إلى الصحة؛ لأنها أقرب المجازين إلى الحقيقة، فلا تنعقد صلاة التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة".
وقد شدَّد بعض الفقهاء فذهب إلى قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة؛ لأن هذا الحديث مخصص لعموم قوله تعالى:"ولا تبطلوا أعمالكم"[محمد:٣٣] .
ومال ابن حجر إلى أن المراد بالحديث نفي الكمال لا الصحة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقطع صلاة المصلي، وإنما اقتصر على الإنكار.
ومن لا يرى عموم المقتضى فقد حمل الحديث على النهي، فيكون معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا صلاة" أي: فلا تصلوا، وحملوا النهي على الكراهة، وعلى هذا القول يكره التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة؛ لأن التقدير للضرورة، وإذا أمكن عدم التقدير فهو أولى، وقال بهذا القول أكثر الحنفية والشافعية، ولعل الراجح في ذلك -والله أعلم- هو القول الأول، وهو عدم جواز الشروع في النافلة بعد إقامة الصلاة المكتوبة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.