للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثوب منسوج من حرير ومن غيره]

المجيب وليد بن علي الحسين

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٢٤/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

قرأت في القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام: أن المصالح الدنيوية عزيزة الوجود، وأن المصالح غالبا ما تقترن بالمفاسد، لذلك فإن المسلم عليه أن ينظر إلى الجانب الغالب منهما، فإذا غلبت المصلحةُ المفسدةَ جلبنا المصلحة رغم ارتكاب المفسدة، وإذا غلبت المفسدةُ أو تساوت مع المصلحة تركنا الفعل رغم فوات المصلحة.

فهل إذا اقتنى المسلم الذكر ثوبًا يحتوي على نسبة أقل من ٥٠ بالمائة من الحرير يحل له لباسه؛ على اعتبار أن الحرام فيه أقل؟ وكذلك الشأن مع الذهب إذا اختلط بمعدن يباح للمسلم استعماله؟

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الفعل غالباً ما يكون مشتملاً على مصلحة ومفسدة، ويندر كون الفعل مشتملاً على مصلحة محضة فقط، أو مفسدة محضة، كما قال القرافي: "استقراء الشريعة يقتضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة ولو قلت على البعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة"، فعند الحكم على الفعل ينظر إلى ما يغلب عليه من المصلحة أو المفسدة، فإن كانت مصلحته هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة كانت هي المقصودة شرعاً، فيكون الفعل مطلوباً، وإن كانت مفسدته هي الغالبة كان رفعها هو المقصود شرعاً، ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة، حيث ورد الأمر بما مصلحته غالبة على مفسدته، كمشروعية إقامة الحدود على الجناة -مثلاً- مع أن فيها مفسدة عليهم، لكن شرعت لمصلحة أعظم، وهي حفظ الضروريات الخمس.

وورد النهي عن ما مفسدته غالبة على مصلحته، كالنهي عن سب آلهة الكفار بقوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" [الأنعام:١٠٨] . فسب آلهة الكفار من الأصنام وغيرها فيه مصلحة بيان عجزها وإهانتها، ومع ذلك نهى الله -عز وجل- عن سبها لما يؤدي إليه سبها من مفسدة أشد، وهي مقابلتهم ذلك بسب الله -عز وجل-.

وقد بنى الفقهاء فروعهم وتطبيقاتهم على الموازنة بين مصلحة الفعل ومفسدته، والحكم على الغالب منهما، فأجازوا -مثلاً- شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين، مع أن فيه مفسدة انتهاك حرمة الميت، لكن لمصلحة حفظ الروح التي هي أرجح، وغيرها من الأمثلة، وهذا معنى كلام العز بن عبد السلام -رحمه الله-.

وأما ما ذكرته من أمثلة فلا يندرج تحت قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وإنما يندرج تحت قاعدة: "العبرة في الشيء للغالب الأعم"، وأن الشيء اليسير مغتفر في الشريعة.

وقد دلت لهاتين القاعدتين شواهد كثيرة من الكتاب والسنة، فأما الحرير اليسير فقد أجاز جمهور العلماء لبس الحرير اليسير في الثوب؛ لأن العبرة بالغالب، ولأنه لا يطلق على الثوب أنه من حرير، لكون الحرير فيه يسيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>