فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
روى الإمام مسلم في صحيحه (كتاب الطلاق - باب الإيلاء) حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، قال عمر لابنته حفصة:"والله لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك، ولولا أنا لطلقك".
فما معنى هذا الحديث؟ وكيف نرد على الرافضة في احتجاجهم بهذا الحديث على حفصة - رضي الله عنها-؟ أفتونا مأجورين فنحن في حيرة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
مقالة عمر الفاروق - رضي الله عنه - لها مناسبتها وملابساتها فقد قالها لما اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، وظن المسلمون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلَّق نساءه، ولما قال عمر - رضي الله عنه - مقالته المذكورة، بكت حفصة أشد البكاء، لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/٢٨٦) .
ولعل باعث الفاروق من تلك المقالة - والله أعلم - أمران: محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاهتمام بأحواله من جهة، والنصح والإشفاق والتأديب لابنته من جهة أخرى. بل إن في روايات الحديث ما يدل على بطلان قول الرافضة، فلا يمكن لمبتدع أن يستدل بدليل صحيح لبدعته إلا كان هذا الدليل عند التحقيق حجة عليه، فقد جاء في روايات في صحيح مسلم ما يقطع بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة - رضي الله عنها -، فإن عمر - رضي الله عنه - قال بعد ذلك:"يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك، أي عائشة - رضي الله عنها - هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتبسم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب حفصة، لكن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أعظم من محبته لحفصة، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وأمر آخر أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية، فأم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أتاني جبريل فقال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة" ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٩/٢٤٥) وقال رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
ومن العجب الذي لاينقضي أن يحتج الرافضة بمقالة لعمر - رضي الله عنه - في لمز حفصة - رضي الله عنها - وهم في الوقت نفسه قد أشربوا بغض عمر وتضليله ورد مروياته وأحاديثه، وصدق الله - تعالى - إذ يقول: "وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [النور:٤٨ - ٥٠] .