للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى "فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه"

المجيب د. محمد بن عبد الله القناص

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية

التاريخ ٢٨/١٠/١٤٢٦هـ

السؤال

ما معنى الحديث التالي: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه"؟ ولماذا ينام الشيطان على خيشومه؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:

فالحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (٣٢٩٥) ، ومسلم (٢٣٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ". الخيشوم: بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو هو الأنف.

وقوله: فإن الشيطان يبيت على خيشومه: يحتمل أحد أمرين:

١- أن يكون هذا على ظاهره، وأن الشيطان يبيت في هذا المكان، ويختار الشيطان هذا المكان لأن الخيشوم محل الأذى والقذارة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وفي مبيت الشيطان على الخيشوم سر يعرفه من عرف أحكام الأرواح، واقتران الشياطين بالمحال التي تلابسها، فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث، فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت" [ينظر حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (١/٨٥) ] .

٢- ويحتمل أن يكون المعنى أن ما يكون في الأنف من الأذى والقذارة يوافق الشيطان، لأن الشياطين خبيثة، وتكون في الأماكن الخبيثة، فيشرع للنائم إذا استيقظ أن ينظف أنفه بالاستنثار، وهو جذب الماء إلى الأنف ثم إخراجه، قال القاضي عياض: "يحتمل أن يكون ذلك على حقيقته، وأن يكون على الاستعارة، فإن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان" ينظر: شرح النووي على مسلم (٣/١٢٧) .

وظاهر الحديث أن هذا يتناول كل نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصاً بمن لم يحصن نفسه بشيء من الذكر عند النوم، مثل قراءة آية الكرسي.

قال الحافظ ابن حجر: "ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصاً بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر لحديث أبي هريرة، فإن فيه: "فكانت له حرزاً من الشيطان" وكذلك آية الكرسي، وقد تقدم فيه: "ولا يقربك شيطان"، ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه وهو القلب، فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ" فتح الباري (٦/٣٤٣) ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>