[هل دفع المال لتسهيل المعاملة رشوة؟]
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ٠٧/٠٥/١٤٢٧هـ
السؤال
أنا محاسب في مجال التخليص الجمركي أتولى القيام بالإجراءات الجمركية للبضاعة المستوردة أو المصدرة، نيابة عن أصحاب هذه البضائع، وفي هذا المجال يتحتم التعامل مع موظفي الجمارك، فبعضهم يطلب نقودا مقابل القيام بعمله! وبعضهم يساوم عليها، وذلك باستغلال بعض الثغرات في القانون، فهل يعتبر ذلك رشوة؟ نرجو معرفة رأي الشرع في العمل في هذا المجال، وبهذه الصورة، مع العلم بأنني لا أقوم بالتعامل المباشر مع موظفي الجمرك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً على صدقات بني سليم، يدعى: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً". ثم خطبنا فحمد الله وأنثى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر". ثم رفع يده حتى رؤي بياض إبطه يقول: "اللهم هل بلغت" رواه البخاري (٦٥٧٨) ومسلم (١٨٣٢) .
وعن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" رواه أبو داود (٢٩٤٣) وصححه ابن خزيمة (٢٣٦٩) والحاكم (١/٥٦٣) .
قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: "وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرقٍ بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة" أ. هـ نيل الأوطار (٨/١٣٥) .
لذا فإنه يحرم على العامل أن يطلب ممن يراجعه لإنهاء معاملة له أي شيء سواء سماه هدية، أو إكرامية، أو غيرها من المسميات التي تختلف من بلد لآخر؛ لكونه يأخذ مرتباً على عمله، وهذه الزيادة ليست حقا له، فقد ذكر العيني -رحمه الله تعالى- قول بعض أهل العلم: "احتيال العامل هو بأن ما أهدي له في عمالته يستأثر به ولا يضعه في بيت المال، وهدايا العمال والأمراء هي من جملة حقوق المسلمين" ا. هـ عمدة القاري (٢٤/١٢٤) .
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها" ا. هـ
وما تدفعه للعامل لتيسير أمورك، واستغلال الثغرات، ما هو إلا نوع من أنواع الرشوة، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "فأما الرشوة في الحكم ورشوة العامل فحرام بلا خلاف، قال الله تعالى: "أكالون للسحت" [المائدة:٤٢] ، قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة" ا. هـ المغني (١٠/١١٨) .
والواجب عليك نصح هؤلاء، وبيان حرمة ما يقومون به، فإن لم ينفع معهم ذلك فأبلغ عنهم الجهة المختصة، فأمثال هؤلاء لا تبرأ بهم الذمة وهذا من المنكر الواجب تغيره.