للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجمع بين آيات في مولى الكفار]

المجيب د. محمد بن سريّع السريّع

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة

التاريخ ٢٠/٦/١٤٢٤هـ

السؤال

كيف الجمع بين قوله تعالى: "وأن الكافرين لا مولى لهم"، وقوله: "بعضهم أولياء بعض"، وقوله: "النار هي مولاكم".

الجواب

تبين وجه الجمع بين هذه الآيات من خلال النظر في سياقاتها والمراد منها:

فالآية الأولى: من سورة محمد جاءت بعد قوله تعالى: " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:١-٨] .

ثم قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ" [محمد:١١] ، فمما سبق يتبين أن الله تعالى هو ناصر المؤمنين وحافظهم ومعينهم، وأما الكافرون فليس لهم ناصر ينصرهم من الله، وليس لهم حافظ يحفظهم من أمر الله، وليس لهم من يمنعهم من قضاء الله، لأن الله هو القوي العزيز.

وأما الآية الأخرى وهي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:٥١] ، ففيها نهي عن موالاة اليهود والنصارى، وبيان أن بعضهم يوالي بعضاً، فمن تولاهم فهو منهم، فالكفار يوالي بعضهم بعضاً الموالاة البشرية، ولكن ليس لهم من الله عاصم، بخلاف المؤمنين الذين يستمدون ولا يتهم من ولاية الله العلي الكبير، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي لا يعز من عاداه ولا يذل من والاه.

وأما قوله تعالى: "فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" [الحديد:١٥] فالمراد أنها أولى بكم وأحرى، ويجوز أن يراد أنها ناصركم، فتكون على سبيل التهكم، فإنهم لا ناصر لهم، فإن كان لهم ناصر فإنما هو النار، وإذا كانت النار لا تنصرهم وإنما هي عذاب الله لهم، فإذن لا ناصر لهم.

وبهذا تبين أن المنفي عن الكفار هو أن يكون لهم ولي ينصرهم من دون الله أو يرد عنهم المكروه لأن ذلك إنما هو لله تعالى، والله تعالى ليس ولياً لهؤلاء الكفار، وأما المثبت من ولاية الكفار بعضهم البعض فإنما هو تعاونهم فيما يقدرون عليهم مما مكنهم الله فيه كسائر الأسباب مع أنها ولاية تابعة لمصالحهم الدنيوية كثيراً ما يتخلون عنها، إذا تعارضت مع أهوائهم، وأما في الآخرة فليس لهم أولياء ينصرونهم، بل يعادي بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، ومأواهم النار وبئس المصير، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>