وإن النطق بالرأي السديد أعظم من بذل المال، حيث هو نفقة وصدقة جارية؛ استجابة لله، "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خيرٍ يوف إليكم وأنتم لا تظلمون"[البقرة:٢٧٢] ، ولفظ: أمر، في آية الشورى اسم جنس مثل كلمة شيء فهي عامة وإضافته إلى الضمير تفيد تأكيد العموم، ومعنى الآية على هذا أن جميع أمور المسلمين التشاور فيها مستقر عندهم، ولفظ (بينهم) صفة للشورى، والتشاور لا يكون عادة إلا بين طرفين فردين أو جماعتين، وفي إضافة الظرف إلى الضمير إشارة إلى أن الشورى سر بين المتشاورين لا يجوز إفشاؤها، أما آية آل عمران:"....وشاورهم في الأمر" فالأمر فيها للوجوب عند المالكية والحنفية، وللندب عند الشافعية والحنابلة، والجميع متفقون على أن الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم- وليس من خصائصه، فإذا كان واجباً على الرسول - صلى الله عليه وسلم- مشاورة أصحابه - رضي الله عنهم- مع أنه ليس بحاجة لهم؛ لأنه يتلقى الوحي من السماء، فالمشاورة من غيره وعلى غيره أوجب؛ لحاجة الجميع إليها، وإذا كانت مندوبة في حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهي في حق غيره أشد ندباً، بل قد يرقى إلى الوجوب بأدلة أخرى؛ كقوله -تعالى-: "مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"[الحشر:٧] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" رواه الترمذي (٢٦٧٦) وأبو داود (٤٦٠٧) ، وابن ماجة (٤٢) من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - وعلى هذا فالشورى عند المسلمين قضية أساسية تتعلق في كل شأن من شؤون حياتهم، تبدأ من الأسرة في حق الطفل الرضيع إذا اختلف الأبوان في إرضاعه:"فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"،ومروراً بمصالح المجتمع، وضروراته، وانتهاءً بالتشاور باختيار رئيس الدولة ودستور البلاد، فلقد شاور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناساً في أمر عائلي:"قصة عائشة - رضي الله عنهما- في حادثة الإفك"،وشاور في أمر طائفي، يخص الأنصار- عندما شاورهم في التنازل عن نصف ثمرة تمر المدينة؛ ليدفع عنهم العدو فأبوا، فنزل على رأيهم، وشاور في أمور عامة للأمة في شأن السلم والحرب.