[حقيقه بولس الرسول]
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير
التاريخ ١٩/٢/١٤٢٤هـ
السؤال
السلام عليكم.
هناك شبهة أرجو أن أجد جواباً عنها:
ورد في الأحاديث المحمدية فقرات منقولة عن الكتاب المقدس، من أمثال ذلك ما ورد في كتاب مشكاة المصابيح صـ (٤٨٧) من طبعة سنة ١٢٩٧هـ، الباب الأول والفصل الأول في كلامه عن وصف الجنة وأهلها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فلا يشك أحد أن هذا الحديث منقول من الرسالة الأولى لبولس الرسول إلى أهل كورنثوس٢/٩ ومما هو جدير بالملاحظة هنا أنه بينما يقرر محمد أن هذا الوصف من كلام الله ينكر كثيرون من علماء الإسلام أن بولس رسول؟ وأن رسائله موحى بها من الله.
الجواب
وعليك السلام، وبعد:
إنك تعلم أن بولس كان يهودياً مثقفاً فيلسوفاً مستنيراً قبل أن يعتنق النصرانية، وقد مكنته ثقافته اليهودية من العلم ببعض النصوص الدينية الباقية من دعوة موسى ورسل بني إسرائيل، فلما ادعى اعتناقه للنصرانية كان ينطق ببعض النصوص التي حفظها من العهد القديم، لا على أنها وحي أوحي إليه، بل تراث ديني ورثه عن الأقدمين، وجاء نص الحديث قريباً منه في معناه.
ولم يدع بولس النبوة ولا الرسالة بمعناها الشرعي -تنزل الوحي عليه- بل الرسالة بمعناها اللغوي، وكل من يحمل دعوة يريد إيصالها إلى الغير يسمى رسولاً في اللغة، وإذا كان النص يقارب في دلالته معنى الحديث الشريف، فإن الإسلام لم يقل ببطلان كل ما في التوراة والإنجيل، ولكن قال بوقوع تحريف فيهما، وذلك يعني أن الحق قد اختلط بالباطل، فبقيت بقية من حق مثل الوصايا العشر وتوحيد الإله في العهد القديم، وكثر الباطل مثل شرب نوح للخمرة وتجارة إبراهيم بعرض زوجته وكذب يعقوب على أبيه وزنا لوط بابنتيه وزنا داود بامرأة أوريا الحث وقتله وعبادة الأوثان في بيت سليمان وكذب أيوب، وفي العهد الجديد تسلط الشيطان على المسيح، وتحويل المسيح الماء خمراً في عرس قانا الجليل وشرب الخمر وسقي أتباعه في العشاء الأخير وأُخذ إلى الحاكم وعُلِّق على الصليب -وهو الإله- وبصق على وجهه وضرب على رأسه وصلب رغم أنفه ودفن في قبره وقام من موته، كل ذلك وهو الله كما يعتقد النصارى أو ابن الله أو ثالث ثلاثة.
إن بولس (شارل) دخل النصرانية ليهدمها، فقد نقلها من التوحيد إلى التثليث وأحل الخمر وأباح الخنزير ودعا إلى التبتل ونقل المسيحية من المحلية كما قال عيسى:"اذهبي يا امرأة فإني لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل" إلى العالمية، كما في قوله:"إن المسيح مات من أجل خطايانا نحن البشر".
وهذا شأن اليهود إذا عجزوا عن مواجهة دين من الأديان ادعوا اتباعه، ليكون الهدم من خلال الاتباع بعد تضليل الأتباع، وقد حفظ الله القرآن من صنيعهم هذا حين تعهد بحفظه بنفسه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: ٩] .
لمزيد من البيان راجع: رسالة في اللاهوت (سبينوزا) .
محاضرات في النصرانية (محمد أبو زهرة) .
الإنجيل والصليب (عبد الأحد داود) .