للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التأمير في الجماعات الإسلامية]

المجيب د. سالم بن محمد القرني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

أصول الفقه /السياسة الشرعية

التاريخ ١٤/٠١/١٤٢٦هـ

السؤال

هناك مجموعات في هذه الأيام ويكون لكل مجموعة أمير وأسئلتي هي:

١.من يكون أميرا؟.

٢.هل لأمير جماعة علاقة بحديث الأمراء؟

٣.كثير من الجماعات يستخدمون حديث الأمراء لتهديد متبعيهم بالعقاب في حال مخالفة أمير الجماعة.

فأرجو توضيحاً عاماً منكم، من يجب أن نطيعه: هل نطيع - بعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - أمراء الجماعات أو إمام المسجد في البلدة؟ نرجو بيان الأمر بالتفصيل.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وبعد:

لا يجوز للمسلمين أن يتفرقوا في دينهم شيعاً وأحزاباً ينال بعضهم من بعض، وينتقص بعضهم بعضاً، ويستعدي بعضهم أهل السياسات على بعض، ويفسق بعضهم بعضاً، بل يجتمع الجميع على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-، وقد أمر الله بالاجتماع، وتوعد أهل التفرق في عدة نصوص من القرآن والسنة، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون"، إلى قوله سبحانه: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ... " الآيات [آل عمران:١٠٣-١٠٥] .

وقال تعالى: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبههم بما كانوا يفعلون من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون" [الأنعام:١٦٠،١٥٩] .

وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" أخرجه البخاري (١٢١) ، ومسلم (٦٥) ، والآيات والأحاديث في ذم التفرق في الدين كثيرة.

كما أن التعصب لغير الإسلام محرم؛ لتعصب لقوم أو فئة أو ناحية أو غير ذلك، وهو يورث العداوة والتحزب المذموم مهما كانت مبررات الفاعل، فبالإسلام يجمع الله شمل المسلمين، والنعرات الوطنية أو الحزبية معول هدم وتفريق لجماعة المسلمين، فلا يتعصب إلا للحق، فإن الحق أحق أن يتبع حيثما كان، ومع من كان، كل من اتبع الكتاب والسنة قولية أو عملية، وما أجمعت عليه الأمة ولم تستهوه الظنون الكاذبة، والأهواء المضلة، والتأويلات الباطلة التي تأباها اللغة العربية التي هي لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وبها نزل القرآن الكريم، أو تردها أصول الشريعة الإسلامية، كل من كان كذلك فهو من الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة.

والواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في القرآن والسنة قولاً وعملاً واعتقاداً، وأن يحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله، وأن يحرص على أن يكون أقرب الناس إلى الحق بقدر استطاعته.

الواجب عليك التزام الحق وما يشهد له الدليل دون التحيّز لجماعة بعينها، وأولى الجماعات بالتعاون معها من حافظ على العقيدة الصحيحة التي كان عليها أئمة السلف الصالح - رضوان الله عليهم- والالتزام بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-، ونبذ البدع والخرافات، وليس الحل بتكوين جماعة أخرى تدعي أنها على الصواب، فإنه بذلك يحصل التفرق أكثر، وليس الحل بمعاداة الجماعات الأخرى غير جماعتك، وتفسيق الناس أو تبديعهم أو تكفيرهم بأخطائهم.

وأقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق أحرصها على تطبيق السنة في الأقوال والأفعال، وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من الخطأ، مع التناصح والتعاون على البر والتقوى.

كل من هذه الجماعات تدخل في الفرقة الناجية إلا من أتى منهم بمكفر يخرج عن أصل الإيمان، لكن تتفاوت درجاتهم قوة وضعفاً بقدر إصابتهم للحق، وعملهم به، وخطئهم في فهم الأدلة والعمل بها، فأهداهم أسعدهم بالدليل فهماً وعملاً فاعرف وجهات نظرهم، وكن مع أتبعهم للحق، وألزمهم له، ولا تبخس الآخرين أخوتهم في الإسلام فترد عليهم ما أصابوا فيه من الحق، بل اتبع الحق حيثما كان ولو ظهر على لسان من يخالفك في بعض المسائل، فالحق رائد المؤمن وقوة الدليل من الكتاب والسنة هي الفيصل بين الحق والباطل. دعوة الناس إلى الاجتماع على الحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى من أهم حل مشكلات التفرق بين المسلمين، وبيان أن تحقيق الوحدة الإسلامية يكون بما تحققت به في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من العقيدة الصحيحة، والإيمان الصادق، والعمل بكتاب الله -تعالى- وبسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، وحب المسلم لإسلامه وإيمانه.

نقرهم على ما وافق الكتاب والسنة، وننكر عليهم ما خالفوا فيه الكتاب والسنة، وندعوهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، محبة وتسديداً لا تعييراً ونيلاً، ولا يجوز تنصيب أحد يقوم مقام ولي أمر المسلمين، -الإمارة العامة-في تأمير أحد، وإنما ولي الأمر هو الذي يكلفه، فيختار صاحب التقوى والورع، والعبادة، ويوصيه بتقوى الله -عز وجل- فيما استرعاه فيه، فإن كان إمام المسجد عندكم هو المكلف بمتابعة أموركم فتجب طاعته في غير المعصية، وإن كان شخصاً آخر فكذلك كما ورد:

بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثاً وهم ذوو عدد، وقدم عليهم أحدثهم سناً لحفظه سورة البقرة، وقال له "اذهب، فأنت أميرهم" أخرجه الترمذي (٢٨٧٦) عن أبي هريرة - رضي الله عنه وصححه.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتَةٌ جاهلية" رواه البخاري (٧٠٥٤) ، ومسلم (١٨٤٩) .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه؛ فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية" رواه البخاري (٧٠٥٣) ، ومسلم (١٨٤٩) .

وعن جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتله جاهلية" رواه مسلم (١٨٥٠) .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني" رواه البخاري (٧١٣٧) ، ومسلم (١٨٣٥) .

هذا وأسأل الله أن يجمع شمل المسلمين على الحق، وخاصة في هذه الظروف الحرجة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>