سمعت في إحدى الندوات أن الأدلة التي بنى العلماء رأيهم عليها في جعل دية المرأة نصف دية الرجل غير ثابتة، فهل هذا صحيح؟ وما علة جعل دية المرأة نصف دية الرجل؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلم يثبت- فيما أعلم- دليل صحيح على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، ولكن ثبت هذا بدليل الإجماع، وهو من أقوى الأدلة، كما لا يخفى، حيث قال ابن عبد البر في الاستذكار (٨/٦٧) : (أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل) ا. هـ. وكذا حكى هذا الإجماع ابن المنذر في الإقناع (١/٣٥٨) بلفظ: (لا أعلمهم يختلفون فيه) . وكذا حكاه الشوكاني في السيل الجرار (٤/٤٣٩) ، وغيرُهم، هذا بالنسبة للجناية عليها في النفس.
أما فيما دون النفس من الجراح، فقد وقع خلاف بين أهل العلم على قولين:
الأول: أن دية المرأة قيل مثل دية الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها، ثم تكون على النصف من ديته، وقد رجح هذا القول ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/٤١٩) .
الثاني: أنها على النصف من ديته فيما قل عن الثلث وفيما زاد. وقد استدل أصحاب القول الأول بدليل ضعيف أخرجه النسائي في الكبرى (٧٠٠٨) وغيره: عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَقْلُ المرأةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجلِ حتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا". ثم قال النسائي:(إسماعيل بن عياش ضعيف كثير الخطأ) ا. هـ وهو كما قال، والأقرب ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وهو ما رجحه ابن المنذر في الإقناع (١/٣٥٨) ، وغيره.
هذا وقد ذكر العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/٤١٨) الحكمة في كون دية المرأة على النصف من دية الرجل، حيث قال:(وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية، والولايات، وحفظ الثغور، والجهاد، وعمارة الأرض، وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين، لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية، وهي الدية ... ) ا. هـ. والله أعلم.