للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تسمية سور القرآن بألفاظ فيها]

المجيب د. مساعد بن سليمان الطيار

عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين

القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة

التاريخ ٥/٤/١٤٢٤هـ

السؤال

هل يجوز تسمية سور القرآن الكريم بشيء مما ذكر فيها؟ مثلا تسمية سورة (الإخلاص) بسورة (الصمد) أو تسمية سورة (البقرة) بسورة الكرسي، أسوة بآية الكرسي المذكورة فيها؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء. وشكرا.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد

فاعلم أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهيٌ عن أن تُسمى سورة باسمٍ ما، كما أنه لم يأمر بذلك، ويمكن تقسيم تسمية السور إلى أقسام:

القسم الأول: سورة ثبتت تسميتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كالبقرة وآل عمران، في مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-:"اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران " الحديث رواه مسلم (٨٠٤) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه-، وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال" رواه مسلم (٨٠٩) وغيره من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه-. والأحاديث الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تسمية السور كثيرةٌ.

القسم الثاني: ما ثبتت تسميته عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن ذلك ما رواه البخاري (٤٠٢٩) ، ومسلم (٣٠٣١) ، واللفظ له، عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس -رضي الله عنهما-: سورة الأنفال. قال: تلك سورة بدر" ويمكنك أن تنظر إلى أسماء السور في مبحث المكي والمدني من كتاب الإتقان في علوم القرآن، حيث ذكر السور المكية والسور المدنية بأسمائها عن بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم، وستلاحظ وجود أكثر من اسم لبعض السور، كما أن السيوطي قد عقد لهذه الأسماء المختلفة مبحثًا خاصًّا.

القسم الثالث: ما تعارف عليه من جاء بعد الصحابة -رضي الله عنهم- إلى عصرنا الحاضر، وهذا مما يقع فيه التسامح، لذا ترى كثيرًا من التسميات التي تعارف عليها الناس، وهي في الغالب حكاية أول السورة، كقولهم: سورة لم يكن، سورة إذا زلزلت، سورة تبت يدا أبي لهب، سورة قل هو الله أحد، وهكذا غيرها من التسميات، والظاهر من عمل المسلمين خلال العصور أنه لا تناكر بينهم في تسمية السور، والتعارف عليها باسم لم يوجد في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عصر الصحابة -رضي الله عنهم-، غير أن الأولى أنَّ ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصَّة أن لا يُعدل عنه، لأنه قد يكون في التسمية حكمة لا تُعلم إلا بالبحث، وهذه الأسماء النبوية للسور مبحث لطيف فلم أر من بحث فيه علاقة التسمية، ومن المفسرين الذين اعتنوا بهذا المبحث (الطاهر بن عاشور) ومن ذلك ما ذكره في سبب تسمية سورة البقرة قوله: "ووجهُ تسميتِها: أنَّها ذُكرت فيها قصَّةُ البقرةِ التي أمرَ اللهُ بني إسرائيلَ بذبحِها؛ لتكونَ آية ووصف سوء فهمِهم لذلك، وهي مما انفردت به هذه السورة بذكرِه، وعندي أنها أضيفت إلى قصةِ البقرةِ تمييزًا لها عن سورِ آل" آلم "من الحروف المقطَّعةِ ...". التحرير والتنوير (١/٢٠١) ، وقد ظهر لي في مناسبة هذا الاسم سِرٌّ لطيفٌ، إذ قد يقول قائلٌ: إنَّ في قصَّةِ البقرةِ إحياءَ ميِّتٍ فسُمِّيتْ السورةُ بما يُشيرُ إلى ذلك الحدث الغريبِ، والجوابُ: أنها لم تكن هي الأميزَ في موضوعِ إحياءِ الموتى، فقد وردَ في هذه السُّورةِ أكثرُ من قصةٍ فيها إحياءُ الموتى، وهي إحياءُ بني إسرائيلَ بعد الصَّعقةِ، وذلك قوله -تعالى-: "وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [البقرة: ٥٥ ـ ٥٦] .

وقصَّةُ الَّذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوف، خرجوا حذر الموتِ، فأماتهم الله ثُمَّ أحياهم، وقصَّة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، فأماته الله مائة عامٍ ثُمَّ بعثه، وقصَّة إحياء الطيور الميِّتةِ لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام-. إذًا فليست هي القصةَ الوحيدةَ في هذا الشأنِ العجيبِ، وهو إحياءُ الموتى والذي يُمكنُ أن يُقال في مناسبةِ تسميتها بهذا الاسم: أنَّ هذه السُّورةَ من أوائلِ السُّورِ المدنيَّةِ، والعهد المدنيُّ كان فيه إقرار كثيرٍ من الأحكامِ الشرعيَّة، وكان الأمرُ في أحكامِ اللهِ أن تُنفَّذَ، ولا يُتأخَّرَ فيها أو يُعترضَ عليها؛ فأخبرَ اللهُ بقصَّةِ البقرةِ التي فيها التَّنبيه والإعلامُ بشأنِ من تلكَّأ في الاستجابةِ لأحكامِ الله، فإنَّ بني إسرائيلَ لَمَّا شدَّدُوا وتعنَّتوا في تنفيذِ أمرِ اللهِ؛ شدَّدَ اللهُ عليهم، إذ لو ذبحوا في أولِ أمرِ اللهِ لهم أيَّ بقرةٍ، لأجزأهم ذلك، ولكانوا بذلك مستجيبين لأمرِ اللهِ، وفي هذه القصَّةِ عِظةٌ أيَّما عِظَةٍ للصَّحابةِ -رضي الله عنهم-، كي لا يتردَّدُوا في تنفيذِ أحكامِ اللهِ، فيشدِّدَ اللهُ عليهم كما شدَّد على بني إسرائيلَ في شأنِ البقرةِ. وحياتُهم -رضي الله عنهم- مع نبيِّهم -صلى الله عليه وسلم- تدلُّ على أنهم وَعَوا هذا الدَّرسَ وتلقَّنوه جيِّدًا، فلم يكونوا يتأخَّرون عن تنفيذِ أوامرِ الَشَّرعِ، واللهُ أعلمُ.

وهذا الاستطراد ذكرته لك للفائدة، أسأل الله أن يمن عليَّ وعليك بحسن الفهم، وبالإخلاص في القول والعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>