للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث الأخفياء الأتقياء]

المجيب سليمان بن عبد الله القصير

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية

التاريخ ٤/١/١٤٢٥هـ

السؤال

أريد شرحاً وافياً لهذا الحديث وما درجته:

"إن الله يحب الأخفياء الأحفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة".

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الحديث المسؤول عنه وهو حديث: "إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ... إلخ.." قد أخرجه ابن ماجة في سننه برقم: (٣٩٨٩) ولفظه: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه خرج يوماً إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد معاذ بن جبل - رضي الله عنه- قاعداً عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: يبكيني شيءٌ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن يسير الرياء شركٌ، وإن من عادى لله ولياً، فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة".

وهذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه: عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف، ومعنى قوله: "الأخفياء" جمع خفي، وهو المعتزل عن الناس الذي يخفى عليهم مكانه، ولا يعرف من بينهم.

وقوله: "لم يفتقدوا" أي: ما يلتفت أحد إلى معرفة حالهم ومكانهم، ولا ينظر أحد إلى أنهم أحياء أو أموات.

وقوله: "لم يدعوا" أي: إلى المجالس والأمور المهمة لقلة شأنهم وعدم اكتراث الناس بهم وبرأيهم.

وقوله: "غبراء" أي: مشكلة وبليِّة شديدة.

وقد جاء في معنى هذا الحديث الضعيف حديث آخر صحيح وهو ما روى مسلم في صحيحه برقم: (٢٩٦٥) ، عن عامر بن سعد - رضي الله عنه- قال: كان سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد -رضي الله عنه-، قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل، فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره، فقال: اسكت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".

ومعنى قوله: "الخفي" قال النووي: "أي: الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه" وفي هذا الحديث حجة لمن يقول: اعتزال الناس أفضل من الاختلاط بهم، وفي المسألة خلاف سبق بيانه، ومن قال بتفضيل الاختلاط قد يتأول هذا الحديث على الاعتزال وقت الفتنة ونحوها.

وقوله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "الغني" قال النووي: (المراد بالغنى غنى النفس، هذا هو الغنى المحبوب) ، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "ولكن الغنى غنى النفس" رواه البخاري (٦٤٤٦) ومسلم (١٠٥١) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وذهب القاضي عياض إلى أن المراد الغنى بالمال، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>