للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإكراه على الكفر]

المجيب د. سالم بن محمد القرني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١/٣/١٤٢٥هـ

السؤال

ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب التوحيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخل رجل الجنة بسبب ذبابة ودخل رجل النار بسبب ذبابة" (رواه أحمد عن طريق طارق بن شهاب)

والذي فهمته من الحديث أن الشخص لا يجوز أن يتكلم بالكفر أو يفعل أشياء تقود إلى الشرك حتى في حالة الإكراه، بل يضحي بحياته، غير أنني قرأت أن بعض العلماء يرون جواز الجهر بكلمات أو أفعال الكفر في حالة الإكراه، وذلك لحفظ حياة الشخص وعدم تعريض نفسه للهلاك، وفي القرآن الكريم قال تعالى: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان". أرجو توضيح هذه المسألة. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله، وبعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أولاً: الحديث رواه أحمد في كتاب الزهد (٢٢) وابن أبي شيبة في مصنفه (٣٢٤٠٩) وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو موقوف على سلمان -رضي الله عنه- ويكون دخول الرجل الذي قرب الذباب النار لكفره الأول، والله أعلم.

ثانياً: أن الذي قرب ذباباً ليس على وجه التقرب، وإنما على وجه التخلص، فهو من باب الإكراه، وفي الحديث: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري (١) ، ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر - رضي الله عنه -، وعلى هذا إذا فعله بقصد التخلص، ولم ينو التقرب لهذا الصنم: لا يكفر؛ لعموم قول الله -تعالى-: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً" [النحل:١٠٦] .

وعلى هذا يجوز الجهر بكلمات أو أفعال الكفر في حال الإكراه لحفظ الدنيا، لكن هل الصبر على القتل أفضل أم الموافقة ظاهراً دون الباطن؟

إذا كان الإكراه لا يترتب عليه ضرر في الدين للعامة، فإن الأولى أن يوافق ظاهراً لا باطناً، لا سيما إذا كان في بقائه مصلحة للدين، وهو قد رخص له، وإن لم يكن فيه مصلحة.

أما إذا كان موافقته وعدم صبره ضرر على الإسلام فإنه يصبر، كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- لما شكوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يجدونه من المشركين قص عليهم قصة الرجل فيمن كان قبلنا بأن الإنسان كان يمشط ما بين لحمه وجلده بأمشاط الحديد فيما رواه البخاري (٣٦١٢) من حديث خباب - رضي الله عنه - فكأنه يقول لهم: اصبروا على الأذى؛ لأنه لو حصل من الصحابة- رضي الله عنهم-موافقة وهم قلة، لحصل بذلك ضررٌ عظيمٌ على الإسلام.

وكذلك قصة الإمام أحمد - رحمه الله- في المحنة المشهورة، لو وافقهم ظاهراً لحصل في ذلك مضرة على الإسلام، وإن أردت المزيد فانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب، شرح الحديث التاسع والثلاثون: "إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والحديث عند ابن ماجة (٢٠٤٣) وغيره عن أبي ذر - رضي الله عنه-. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>