للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النطق بالكفر عند شدة الغضب]

المجيب صالح بن درباش الزهراني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١١/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

رجل يصلي ويشهد له بالإيمان، جاءه رجل ذات يوم وهو غاضب، وقال له: قل لا إله إلا الله، قال: لا أنا كافر بها! فلما ذهب عنه الغضب استغفر الله وتاب مما قال، فهل عليه شيء بعد ذلك يفعله؟ وهل عليه شيء لو جامع زوجته؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فلا شك أن ما ذكره السائل في السؤال منكر عظيم؛ لأن ما تلفظ به ذلك الرجل كلمة كفرية، لكن قائلها يختلف حكمه حسب الحال التي كان عليها حينما نطق بتلك الكلمة.

فمن نطق بكلمة الكفر عالماً بمعناها عامداً، غير مكره فهو كافر بالله تعالى، أما من غلبه الغضب إلى درجة فقدان التحكم في نفسه، وفقدان التمييز بين الخطأ والصواب فهذا معذور -إن شاء الله- كما هو الحال فيما يقع منه من طلاق ونحوه، وقد بين العلماء أن طلاق الغضبان لا يقع، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طلاق ولا عَتاق في إغلاق". أخرجه أبو داود (٢١٩٣) ، وابن ماجه (٢٠٤٦) . والإغلاق هو الغضب، أو كل ما يغلق على الإنسان فكره وعقله حتى لا يعي ما يقول.

وأما مطلق الغضب فليس مبرراً للنطق بكلمة الكفر ونحوه من الأقوال المنكرة والتفحش في الكلام، والغضب مسألة نسبية في الناس ليس مطرداً على نمط واحد في الجميع، فبعض الغضب قد يفقد زيداً من الناس صوابه، ولكن غيره لا يحصل له ذلك، فليتنبه لهذا.

كما أن هذه الحالة المذكورة في السؤال تشبه -إلى حد كبير- قصة صاحب الراحلة الذي فقدها في فلاة وعليها كل ما يحتاجه من طعام وشراب، فبحث عنها حتى يئس، ثم أغفى إغفاءة استيقظ بعدها وعنده راحلته، فقال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك". انظر صحيح البخاري (٦٣٠٩) ، وصحيح مسلم (٢٧٤٧) . حيث أغلق عليه الفرح الشديد عقله، فأخطأ في العبارة فقال كلمة كفرية، بيد أنه لا يقصد حقيقة ما قال؛ إذ قالها في حالة من الذهول.

والمذكور في السؤال إن كان الغضب أغلق عليه تفكيره فأخطأ في كلامه فهو مثل صاحب الراحلة في الحكم، أما إن كان عالماً بما يقول متعمداً له، كامل الأهلية، فقد وقع في الكفر، وعليه التوبة إلى الله وتجديد إيمانه.

وبما أن الشخص المذكور في السؤال تاب ورجع وأناب فإن الله يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات، وعليه أن يكثر من النوافل والقربات، ولا حرج عليه في جماع زوجته -إن شاء الله-.

وأنبه هنا إلى أنه يجب على المرء أن يحفظ لسانه في حال الغضب من كل قول قبيح، فلربما قال كلمة توبق دنياه وآخرته.

كما أنبه إلى أنه لا ينبغي لنا التسرع والاهتمام الزائد بالحكم على الأشخاص المعينين، وإنما الواجب علينا النصح والإرشاد، والتذكير بالحكمة والموعظة الحسنة؛ حتى يتوب المذنب ويرجع إلى ربه.

كما ينبغي علينا اختيار الأسلوب الحسن في النصح، واختيار الزمان والمكان المناسبين، ونحو ذلك مما يؤثر في إنجاح النصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>