كيف نستقبل عاماً جديداً؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ ٢٩/١٢/١٤٢٥هـ
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن الآن على مشارف استقبال عام هجري جديد -كل عام وأنتم بخير-، وإذ بنا نودع عاماً هجرياً آذن بالرحيل، ذهبت لذته، وبقيت حسرته وتبعته، فما نصيحتكم لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، يستقبل عاماً هجرياً جديداً؟ -وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء-.
الجواب
الحمد لله على نعمه الكثيرة، وآلائه الجسيمة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
أخي الكريم: إن ذهاب عام، ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جدية للمحاسبة الصادقة؛ وذلك لأن من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشقوة، إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه، ورد في الأثر: (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا) .
أخي الكريم: إن من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، عيشها نكد، وصفوها كدر، جديدها يبلى، وملكها يفنى، وودها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل؛ فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" [غافر: ٣٩] .
أخي الكريم: هل تذكرت الموت وسكراته؟ وشدة هوله وكرباته؟ وشدة نزاع الروح منك؟ فالموت كما قيل: أشد من ضرب بالسيوف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، فالموت لا يخشى أحد، ولا يبقى على أحد، ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة للمحاسبة، وقل لها:
يا نفس قد أزف الرحيل *** وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس لا يلعب *** بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزلٍ ينسى *** الخليل فيه الخليل
وليركبن عليك فيه من *** الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً *** فلا يبقى العزيز ولا الذليل
أخي الكريم: هل تذكرت القبر وظلمته؟ وضيقه ووحشته؟ هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير؟ وحكيم وسفيه؟ وصالح وطالح؟ وبر وفاجر؟ ورئيس ومرؤوس؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.