للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيهما بُني أولاً: المسجد الأقصى أم قبة الصخرة؟

المجيب د. محمد بن عبد الله القناص

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التاريخ: حوادث وعبر

التاريخ ٠٨/٠٩/١٤٢٦هـ

السؤال

أيهما بني أولاً مسجد قبة الصخرة أم المسجد الأقصى؟ ومن بنى كل منهما؟ وما هي أهميتهما الدينية في الإسلام؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:

فالمسجد الأقصى بني قبل مسجد قبة الصخرة بزمن طويل، ففي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنةً ... " أخرجه البخاري (٣٣٦٦) ، ومسلم (٥٢٠) .

وهذا الحديث يدل على تقدم بناء المسجد الأقصى، وقد ذكر ابن كثير وغيره أن أول من بناه يعقوب عليه السلام، ثم جُدِّد بناؤه في زمن سليمان عليه السلام، وقد بناه سليمان على قاعدة سداسية الشكل، ويقال إن هذا هو أصل اتخاذ اليهود للنجمة السداسية شعاراً لهم.

والمعروف تاريخياً أن ذلك المعبد قد دمر مرتين، المرة الأولى على يد الملك البابلي "بختنصر" عام (٥٨٧ قبل الميلاد) ، والمرة الثانية عام (٧٠ميلادي) على يد الإمبراطور الروماني "طيطس"، حيث دمره تدميراً كاملاً، ولم يبق منه إلا جزء من السور في الجهة الجنوبية الغربية لساحة المعبد، وقد جاء ذكر التدميرين (الأول والثاني) في القرآن الكريم في أول سورة الإسراء.

وظل مكان الهيكل فضاءً خالياً من أي بناء بقية عهد الرومان النصاري.

وقد حدث الإسراء والمعراج بالنبي صلى -الله عليه وسلم- في عهد الحاكم الروماني "هرقل" عام (٦٢١ميلادي) وكان المكان ما زال خالياً من أي بناء، إلا أنه محاط بسور، وهو الذي رُبط فيه (البراق) في ليلة الإسراء والمعراج، وهو نفسه السور الذي تسميه اليهود اليوم بـ (حائط المبكى) ، وفيه أبواب داخله ساحات واسعة هي المقصودة بالمسجد الأقصى في قوله -تعالى-: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" [الإسراء:١] . وقد ظل المكان معروفاً مقدساً في داخله الصخرة رغم زوال الآثار.

ثم جاء الفتح الإسلامي لبيت المقدس صلحاً في عهد عمر -رضي الله عنه- سنة (١٦هـ/ ٦٣٧) ، وطلب عمر -رضي الله عنه- من أحد بطريرك القدس أن يدله على مسجد داود (يعني المسجد الأقصى) ، فانطلق به حتى انتهى إلى مكان الباب، وقد انحدر الزبل على درج الباب، فتجشم عمر -رضي الله عنه- حتى دخل ونظر، فقال: الله أكبر، هذا والذي نفسي بيده مسجد داود الذي أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أسري به إليه، ثم أخذ عمر -رضي الله عنه- والمسلمون يكنسون الزبل عن الصخرة حتى ظهرت كلها ... ففي مسند الأمام أحمد (٢٦١) بسند حسن أن عمر -رضي الله عنه- قال لكعب -رضي الله عنه- بعد فتح بيت المقدس: أين أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال: عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه، وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>