أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ ٩/١/١٤٢٥هـ
السؤال
أنا شاب أعمل في الدوريات الأمنية في القطاع العسكري، وكثيراً ما أواجه حالات شرب للمسكر، وحالات اختلاء محرم بين شاب وفتاة، هل من باب الستر ألا أسلمهم إلى الجهات المختصة، علماً بأنه قد يُفصل المقبوض عليه من عمله بسبب ذلك، وهل أكون متسبباً في قطع رزقه؟ وما هو ضابط الستر في ذلك؟ أفيدونا -جزاكم الله خيراً-
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام وعلى من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلأهمية السؤال أفضل التفصيل في الجواب، فأقول -وبالله التوفيق-، ومنه أستمد العون والتسديد: ما دمت أيها السائل تعمل في الدوريات الأمنية فعملك يتطلب القبض على من ذكرت في سؤالك، وليس من باب الستر ألا تسلمهم إلى الجهات المختصة؛ لأن هذا عملك فأنت مسؤول أمن نائب عن السلطان فيما وكل إليك، فلا أرى لك الستر أو العفو عما ذكرت، ولو أن كل رجل أمن أو هيئة أمر بمعروف ونهي عن منكر ستر لاختل الأمن، هذا وليُعلم أن حدود الله -تبارك وتعالى- كالزنا، والشرب، والسرقة، وغيرها من حدود الله، إنما يجوز العفو فيها، والشفاعة قبل بلوغها السلطان، وأما بعد بلوغها له فلا يجوز؛ لما رواه أبو داود (٤٨٨٣) ، والنسائي (٨٨٣) ، وغيرهم عن صفوان بن أمية - رضي الله عنه- قال: كنت نائماً في المسجد على خميصة لي، -وفي رواية: على ردائي-، فجاء رجل فسرقه، وفي رواية: اختلسه، فأمسكت به، فجئت به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقطع يده، فقال صفوان -رضي الله عنه- لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا قبل أن تأتيني به" والحديث صحح إسناده الحاكم والذهبي، ووافقهما الألباني، انظر إرواء الغليل (ج٧ ص٢٤٧) .
ولما روى مالك في الموطأ عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن أن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- لقى رجلاً قد أخذ سارقاً، وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير -رضي الله عنه- ليرسله، فقال: لا حتى أبلغ به السلطان، فقال الزبير -رضي الله عنه- إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع" انظر الموطأ بهامش المنتقى (ج٧ ص١٦٣) ، ولما رواه أحمد (٥٣٦٢) ، وأبو داود (٣٥٩٧) ، وغيرهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً "من حالت وشفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره"، صححه الألباني في إرواء الغليل (ج٧ص٣٤٩) .
أيضاً جاء في السؤال: ما هو ضابط الستر في ذلك؟ والجواب أن الستر جاءت أحاديث كثيرة في الترغيب فيه، منها ما رواه مسلم (٢٦٩٩) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"، وعند أبي داود (٤٣٧٧) ، وأحمد (٢١٣٨٣) أن رجلاً يقال له هزال جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبره عن رجل رآه يزني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا هزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك"، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الترغيب في الستر، لكن يحمل الستر في هذه الأحاديث وغيرها على الحدود التي لم تبلغ السلطان أو نائبه، وأيضاً للشخص الذي لم يعرف بالفسادوالأذى، ولم يكن متلبساً بجريمته، أما من كان معروفاً بالفساد والأذى، أو كان متلبساً بجريمته، فهذا لا يُستر عليه مطلقاً. - والله أعلم- وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.