للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قتل الرحمة!]

المجيب هاني بن عبد الله الجبير

قاضي بمحكمة مكة المكرمة

التصنيف الفهرسة/الجنايات

التاريخ ٠٦/٠٧/١٤٢٥هـ

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

ما الحكم في قضية الرضا بقتل النفس؟ حيث يرضى المريض بأن يقتله الطبيب؛ لشدة الألم، أو يقدم الطبيب على هذا؛ ليقينه في موت المريض، وتفادياً لآلامه الشديدة، والقضية أكبر من ذلك. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فالله -تعالى- حرّم قتل النفس المعصومة؛ قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً" [النساء: من الآية٩٢] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه" متفق عليه عند البخاري (٦٨٧٨) ومسلم (١٦٧٦) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، ولأن قتل النفس اعتداء على حق الله -تعالى- وليست الحياة حقاً للإنسان؛ لأنه لا يحق له قتل نفسه بالانتحار؛ كما قال تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" [النساء: من الآية٢٩] ، فقد أمر الله -تعالى- المريض بالصبر على ما أصابه، وجعل ذلك رافعاً لدرجته وموجباً للأجر الكبير؛ قال تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة: من الآية١٥٥] ، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا" [آل عمران: من الآية٢٠٠] ، وقال تعالى: "أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا" [القصص: من الآية٥٤] ، وقال عليه الصلاة والسلام: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفّر الله به عنه من سيئاته" رواه مسلم (٢٥٧٣) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.

لذلك كله فإنه لا يجوز للمريض أن يطلب من الطبيب أو غيره قتله، ولو فعل ذلك لكان منتحراً مستحقاً للوعيد، ولا يجوز للطبيب مساعدته في ذلك؛ ولو فعل لكان آثماً بفعله، وكما أن هذا الفعل محرم في الشرع، ولا تبيحه الدوافع التي يظنها الناس أنها إنسانية، فهو كذلك محرم في القوانين الوضعية.

وهذه المسألة قد بحثت من عدد من الفقهاء المعاصرين، وعقدت لها عدة ندوات، ولا فرق فيها بين رفع أجهزة التنفس، أو منع إعطائه العلاج الذي يموت لو أوقف عنه، أو إعطائه دواءً يموت باستعماله، فكله قتل محرم لا يجوز فعله، ولا الإذن به. والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.

<<  <  ج: ص:  >  >>