هل عبادة الله سبحانه وسيلة أم هدف؟ هل نقول: إن هدفنا هو عبادة الله وتحقيق ذلك يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. أم نقول: مثلاً إن الهدف هو دخول الجنة، ويكون ذلك بعبادة الله. وكيف نفهم هذا من خلال قوله سبحانه:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعبادة الله تبارك وتعالى هي غاية خلق الخلق، وهي الغاية من الوجود الإنساني، فلأجلها خلق الله الخلق، وأنزل الكتب وأرسل الرسل. ومع ذلك فهي وسيلة لرضى الله والنعيم المقيم الأخروي الأبدي. ويمكن أن يكون الشيء الواحد غاية باعتبار، ووسيلة باعتبار آخر، كما يكون الشيء سبباً باعتبار ونتيجة باعتبار آخر. قال تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"[الذاريات:٥٦] ، قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:"ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له؛ فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم". انتهى.
والأعمال الصالحة سبب لدخول أهل الجنة الجنة -بعد توفيق الله- كما أن المعاصي والكفر سبب دخول العصاة للنار. قال تعالى:"وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"[الزخرف:٧٢] ، وقال تعالى:"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"[النحل:٣٢] . فالعمل الصالح لا بدّ من وجوده لدخول الجنة كما قرر ذلك أهل السنة والجماعة.
لا يشكل عليك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يدخل أحدا عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب". صحيح البخاري (٥٦٧٣) ، وصحيح مسلم (٢٨١٦) .
فالجواب أن يقال -في الجمع بين الآية والحديث-: إن الآية المقصود بها إثبات أنّ الأعمال سبب لدخول الجنة، فالباء الموجودة في قوله تعالى:"بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" هي باء السببية، فتفيد أن دخولهم الجنة كان بسبب الأعمال الصالحة.
وأما الحديث المتفق على صحته، فالباء المنفية المقصود بها، باء العوض، فليست الأعمال الصالحة عوضاً لدخول الجنة، بل هي من جملة الأسباب لدخول الجنة.