أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ ٠٩/٠٤/١٤٢٧هـ
السؤال
شاهدنا اليوم على إحدى القنوات الفضائية من يقول: إنه إذا أقتحم أحد ما منزلاً ما وشهر على صاحبه سلاحا وأراد قتله فلا يدافع عن نفسه ليموت شهيداً، بسبب أن المسلم لا يجوز أن يرفع في وجه أخيه السلاح بل يدعه يقتله ليلقى لله -عز وجل- شهيداً وليدخل القاتل النار ويخلد فيها. واستدل بحادثة سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فهل هذا يعقل؟! وأين نحن من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من مات دون عرضه فهو شهيد ... " إلى آخر الحديث الشريف، فهل ندع الغوغاء يقتحمون علينا دورنا ويعتدون علينا ونحن نسلمهم رقابنا دون أن ندافع على أنفسنا؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فللإنسان أن يدفع عن نفسه أو أهله أو ماله إذا اعتدي عليه، بل قال بعض أهل العلم: إنه يلزمه ذلك، والدليل قوله تعالى:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"[البقرة:١٩٥] ومن استسلم للصائل الذي يريد قتله فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة ووقع فيما نهى الله عنه، ولما رواه مسلم في صحيحه (١٤٠) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:"فلا تعطه مالك". قال: أريت إن قاتلني؟ قال:"قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال:"فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال:"هو في النار".
أما ما ذكره السائل من أن المسلم لا يجوز أن يرفع في وجه أخيه السلاح، فمعناه أن يبتدئ هو برفع السلاح على أخيه ومن غير سبب يقتضي ذلك.
وأما ما ذكره من الاستدلال بحادثة عثمان -رضي الله عنه- فنقول: ذكر بعض أهل العلم أنه يستثنى من وجوب دفع الصائل حال الفتنة، مستدلين بحديث خباب بعد الأرتِّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال:"فإذا أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل" أخرجه أحمد (٢٠١٥٤) ، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: في ذكر الفتنة قال: "تلزم بيتك". قلت: فإن دخل عليَّ بيتي؟ قال: إن يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك وإثمه". أخرجه أحمد (٢٠٣٦٢) ، وأبو داود (٤٢٦١) . واستدلوا أيضاً بأن عثمان -رضي الله عنه- لم يدفع الذين خرجوا عليه عن نفسه، ونهى الصحابة أن يدفعوا عنه.
هذا والذي أراه أن الفتنة إذا ترتبت على المدافع فإنه يترتب عليها شر أكبر أو كانت المدافعة لا تجدي لكثرة الغوغاء ففي هذه الحال لا يجب الدفع، وإلا وجب الدفع؛ لما تقدم من الأدلة، وتحمل النصوص الواردة في ذلك على هذه الحال، وكذلك ما ورد عن عثمان -رضي الله عنه- لأن عثمان -رضي الله عنه- رأى أن أهل المدينة لو دافعوا لا لتهمها هؤلاء الخارجون لأنهم عدد كبير لا طاقة لأهل المدينة بمدافعتهم.
بينما يرى بعض أهل العلم أنه يلزم الدفع مطلقاً وأن الأحاديث الواردة في ذلك فيما إذا كان الإنسان لا يستطيع المدافعة حيث فلا فائدة في تلك المدافعة. والله أعلم.