[تحذير الرسول من فتنة النساء وحبه لهن]
المجيب أ. د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ ١٤/٢/١٤٢٤هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث الأول: قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
الحديث الثاني: عن أنس -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" حُبِّبَ إلي من دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " ففي الحديث الأول طلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحذر من النساء في حين كانت من الأمور المحببة إليه كما ذكر في الحديث الثاني، فكيف نوفق بين هذين الحديثين؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب
بالنسبة للحديث الأول: خلق الله المرأة بطبع تؤثر به على الرجل من طريق الكلمة اللينة أو المشية المتكسرة أو النظرة الحانية أو الرائحة النفاذة أو الملابس الشفافة أو الحركة المثيرة، وما لم يحرص الرجل على اتقاء هذه المغريات فإنه سيتأثر بها لا محالة، وقد يصل الأثر الناتج عن التأثير إلى حد الوقوع في المعصية، فكان الأمر بالحذر من فتنة النساء أو غواية النساء، وبخاصة أن رجال بني إسرائيل لم يأخذوا بهذا الاحتياط، فكثر الزنا وعمت الفاحشة وما قصة أستير بخافية عن أحد، وسفر نشيد الإنشاد يؤكد ذلك ويدعو إليه.
إن التوراة حملت المرأة -حواء- سبب الغواية والطرد من الجنة حين أغوت آدم فأكل كما في النص"المرأة التي جعلتها معي هي التي أكلت من الشجرة وأعطتني فأكلت" فصدر الأمر الإلهي لهما بالخروج من الجنة.
والنصرانية على نفس النهج تسير وترى المرأة حبائل الشيطان وأساس الغواية وسبب الخطيئة الجريئة، والإسلام لا يرى المرأة سبباً في الإخراج من الجنة، ولكنه يخبر عن قدرتها البالغة على التأثير في جنس الرجال، فكان التحذير من غوايتهن دون تحريم الاتصال شرعاً بهن.
وأما الحديث الثاني فهو إخبار عن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها في الأمرين الأولين فمن مِن الناس لا يحب الرائحة الطيبة -إلا من كان مريضاً بالحساسية- والهواء العليل، ومَنْ مِن الرجال لا يعلق قلبه بالنساء، وإن اختلفت مظاهر التعلق فهو متعلق بها أماً وأختاً وجدة وعمة وخالة وزوجة وابنة ... إلخ.
كل ذلك بالفطرة وليس الأمر خاصاً بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فالإخبار لم يرد على سبيل الحصر أو التخصيص دون سائر الناس، والنص فيه إخبار عن حب الزوج لزوجه، والعيش مع زوجة محبوبة ومُحبة في نفس الوقت من أسباب السعادة في الحياة.
إن الحديث لا يراد به الافتتان بالنساء من قبل الرسول -وحاشاه- فكل زوجاته أرامل، طاعنات في السن سوى عائشة -رضي الله عنهن جميعاً- فأي افتتان بالنساء في مثل هذا الموطن؟
وسعادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحقة كانت في الصلاة، حيث تقر العين، وينشرح الصدر ويطمئن القلب، وفي الختام ليس في الحديث الأول ما يحرم الاتصال المشروع ولا في الثاني ما يأذن بارتباط شرعي الحب فيه مرفوع، الله أعلم.