إن أقوى ما ورد في هذا هو الحديث الذي رواه أحمد (١/٩٧) ، ح (٧٥٣) ، وغيره، من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً - رضي الله عنه- أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال:"بسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ... الحديث..وهو معلول، كما بين ذلك الدارقطني في العلل (٤/٥٩-٦٣) ، وخلاصة تعليله: أن أبا إسحاق لم يسمعه من علي بن ربيعة، بل بينه وبين علي رجلان، كما صرح بذلك أبو إسحاق حينما سأله شعبة هل سمعته من علي بن ربيعة؟ قال: لا، بل حدثني يونس بن خباب (صدوق يخطئ) ، عن رجل عنه، وقد بينت رواية أخرى أن هذا الرجل - الراوي عن علي بن ربيعة- هو: شقيق بن عقبة، قال الدارقطني عقب ذكر طرقه (٤/٦٢) ،: "فهو من رواية أبي إسحاق مرسلاً"، أي أن إسحاق أرسله، فلم يبين الواسطة بينه وبين علي بن ربيعة، إذا تقرر هذا، فهل يلزم من ضعف الحديث أن لا يقال هذا الدعاء؟ هنا احتمالان:
الاحتمال الأول: إما أن يقال: وإن ضعف الحديث فإن القرآن يدل على مشروعية ذلك، كما في قوله تعالى: "لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ" [الزخرف:١٣] ، فإن الآية علقت الذكر بمجرد الاستواء على الدابة، وهذا حاصل هنا، ولكن - إذا قيل هذا القول- فالاقتصار على الذكر في الآية أولى، دون بقية ما في الحديث، لعدم ثبوته.
والاحتمال الثاني أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يركب في المدينة كثيراً، ويزور أصحابه، ولم ينقل عنه شيء يعتمد عليه في هذا مع وجود الداعي، ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً نقل أصحابه - صلى الله عليه وسلم- قوله لأذكار السفر، كحديث ابن عمر -رضي الله عنه- في صحيح مسلم (١٣٤٢) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.. الحديث، وهذا هو اختيار شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله-. والخطب في هذا يسير، والغرض من هذا التفصيل هو الحرص على تلمس الأثر والاتباع قدر الإمكان، رزقني الله وإياك حب السنة، والعمل بها ظاهراً وباطناً.