شيخنا الفاضل: حين أرى المسلمين يتوجهون في صلاتهم إلى الكعبة وحين أراهم يسجدون أمامها بإتجاهها - طبعاً - يخطر ببالي كأنهم يعبدون الكعبة أو الحجر الأسود ولو بصورة غير مباشرة، فما تقولون
الجواب
البداية في تحديد مفهوم العبادة؛ لأن العبادة تشتمل على معنى الخضوع والذل والانقياد والطاعة، فالعبد عندما يكون عابداً لشيء ما، ينبغي أن يخضع ويذل له، ويقف بين يديه ضعيفاً ذليلاً، لا يملك من أمره شيئاً، ثم يكون بعد ذلك طائعاً لهذا المعبود منقاداً له، فأمره مستجاب ونهيه كذلك، بمعنى أنه يفعل ما يأمره به، ويترك ما ينهاه عنه.
من خلال هذا المفهوم الموجز للعبادة نستطيع بسهولة أن ندرك أن المسلمين لا يعبدون الكعبة ولا الحجر الأسود، فهم لا يخضعون لها ولا يذلون، وإنما يقدرون ويحترمون، وهم لا يتلقون شيئاً من الأوامر أو النواهي من الكعبة والحجر الأسود؛ لأنهما لا يضران ولا ينفعان، ولا يصدر عنهما شيء يمكن أن يكون فيه توجيه أو إرشاد، ولذلك فالمسلمون لا يعبدون الحجر الأسود ولا الكعبة، بل إن اعتقادهم يدل على مخالفة ذلك ومناقضته وقد ورد في الحديث الصحيح:"أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر الأسود ويخاطبه قائلاً: "إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك أبداً" البخاري (١٠٩٧) ومسلم (١٢٧٠) وهذا في حقيقته تفسير لذلك الفعل، فالتقبيل والتبجيل والتقدير لهذا الحجر إنما هو لتحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاعتقاد الجازم أنه (أي الحجر) لا يضر ولا ينفع، وأنه ليس له أدنى صورة ولا شبه ولا شيء من التعلق بالعبادة بحال من الأحوال.