وتوضيح ذلك: أن ترى بعض الناس يجتهد في الأعمال الصالحة، ومع ذلك يكون ممن استحقّ العذاب؛ لأن الله لم يتقبل منه عمله ولا سعيه؛ لكونه إما لم يخلص عمله لوجه الله تبارك وتعالى، أو فعل أمراً لم يفعله رسول الله كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". رواه البخاري (٢٦٩٧) ، ومسلم (١٧١٨) .
فأفاد هذا الحديث أنه ليس كل من عمل عملا صالحاً فإن عمله يكون مقبولاً، فلا بدّ من تحقق الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد قرر هذا المعنى ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة"(١/٨) فقال: (الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفي معها الدخول، فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة فليس عمل العبد وإن تناهى) .
أخي رعاك الله في الختام أريد أن أنبهك إلى أنه قد روج بعض الجهلة المضلين، أن أهم شيء هو اكتساب رضى الله عز وجل، ويكون ذلك بحسن الأخلاق وحسن معاملة الناس. ولا يضر ترك الصلاة والزكاة، ومولاة الكفار ... إلى آخر ذلك من الموبقات، بحجة أن الله ليس محتاجا إلى عملنا فهو الغني سبحانه. فلا شك أن هذا الكلام ضلال مبين.
صحيح أن الله غني عنا ولا يحتاج لعبادتنا، ففي صحيح مسلم (٢٥٧٧) عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال:"يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ... "
أخي رعاك الله تأمل الحديث، تجد أن الله أخبر عن نفسه أنه غني عنا لكننا نحن من نحتاج إليه وإلى عبادته. فلو قال شخص: إن الله لا يحتاج إلى عبادتنا فلذلك لا نعبده! فقد أخطأ. صحيح أن الله لا يحتاج إلى عبادتنا، لكن نحن نحتاج إلى عبادة الله، وإلا حَشَرَنا الله مع الكافرين، والمنافقين، وأدخلنا الجحيم.
وأما قول الآخر: أهم شيء الأخلاق وبعد ذلك لا يضر. نقول له: نعم، الأخلاق مهمة جدا في الإسلام ورغب فيها كثيرا، لكن لو كان صاحب الخلق لا يصلي فكيف يكون حاله؟ فالله عز وجل يأمره بالصلاة لكنه يأنف ويتكبر ولا يصلي! فهذا كافر. وأيضا صاحب الخلق الحسن لو وضع خلقه مع الكفار لدرجة تصل إلى التولي. فهذا حكمه أنه متول للكفار يستحق على ذلك العقاب.