أما لفظ التشبيه فلم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لا نفياً ولا إثباتاً، إنما الذي ورد نفيه هو التمثيل؛ وذلك أن التمثيل يقتضي المساواة من كل وجه، وهذا المعنى منفي عن الله، أما لفظ التشبيه فهو يقتضي المساواة من بعض الوجوه، تقول مثلاً هذا الشيء يماثل ذلك الشيء أي يساويه تماماً، وتقول هذا الشيء يشبه ذاك الشيء أي يساويه من بعض الوجوه دون بعض، ولذا لم يرد في حق الله –تعالى- لفظ التشبيه لأنه مشترك مبهم، فقد يراد به المفهوم الكلي العام (المعنى اللغوي) ، والذي لا يكون إلا في الذهن لا في الخارج، فهذا حق، والتشابه به حاصل إذ ما من موجودين إلا وبينهما قدر مشترك ذهني كلفظ الوجود مثلاً فإن معناه اللغوي مشترك بين الخالق والمخلوق فهو من هذا الجانب متشابه، أما إذا أريد به المعنى الخاص فلكل من الخالق والمخلوق وجود يخصه لا يشركه فيه غيره.
ولولا هذا القدر المشترك لما فهمنا ما خاطبنا الله به من نصوص كتابه من أمور الغيب التي لا تدرك حقائقها كحقيقة ذات الله وصفاته وحقيقة ما في اليوم الآخر وما في الجنة، ولذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما-: (ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء)(تفسير ابن كثير ١/ ٦١) عند تفسير قوله تعالى: "وأتوا به متشابهاً"الآية، [البقرة:٢٥] ، فنحن ندرك معنى ما خاطبنا الله به مما في الجنة من نعيم كأصناف المآكل والمشارب من خمر وعسل ولبن وماء، وفاكهة ولحم طير، وغير ذلك، لكن ليس حقيقة تلك الأمور كحقيقة ما في الدنيا وإنما هنا قدر مشترك فهمنا به خطاب الله –تعالى-.
وكذا يقال في صفاته سبحانه، فنحن نفهم معنى القدرة والحياة والعلم واليد والوجه، ونحو ذلك من صفات الله –تعالى-، وذلك قدر مشترك متشابه بين الخالق والمخلوق، وهو مفهوم كلي ذهني لا خارجي، أما في الخارج فلا يوجد كلي يشترك فيه الخالق والمخلوق إذ ما يوجد في الخارج يوجد معيناً مقيداً، وهو الوجود الخاص بكل موجود فمفهوم الوجود في الذهن واحد وفي الخارج مختلف فوجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن وكذا سائر الصفات.
فمن شبه الحقيقة الخارجية للخالق الواجب الوجود بالحقيقة الخارجية للمخلوق الممكن الوجود فقد وقع في التشبيه المحرم الذي يكفر قائله ومعتقده.
أما ما في الذهن من الاشتراك في المعنى العام فليس من التشبيه المحرم
وإلا لتعطلت نصوص الصفات إذ تصبح غير مفهومة المعنى.
يقول ابن تيمية – رحمه الله -: (وهذا الموضع من فهمه فهماً جيداً وتدبره زالت عنه عامة الشبهات، وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا في مواضع كثيرة وبُيّن أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معيناً مقيداً، وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه، وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا، وهذا لا أن الموجودات في الخارج يشارك أحدها الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله)[التدمرية ١٢٧ - ١٢٨] .