وفي الحديث اختلاف في إسناده، ورجح الدارقطني في كتابه العلل (٦/٢٩٠) رقم: (١١٤٨) ، أنه من حديث منذر الثوري مرسلاً عن أبي ذر -رضي الله عنه- ومع كون المرسل من أقسام الحديث الضعيف، لكن للحديث شواهد لمعناه، تنهض بقبول معناه. لكن المهم ما هو معناه؟ لقد شرحه الإمام الخطابي (ت٣٨٨هـ) في كتابه غريب الحديث (٢/٢٨٧) بقوله: معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم- قد استوفى بيان الشريعة، حتى لم يغادر منها شيئاً مشكلاً، وبين لهم أحكام الطير، وما يحل ويحرم، وكيف يذبح الطير ويذكى، وما الذي يفدى إذا أصابه المحرم مما لا يفدى منها، إلى ما أشبه هذا من أمرها. ولم يرد أن في الطير علماً سوى هذا علمه إياهم ورخص لهم أن يعاطوا زجر الطير الذي كان أهل الجاهلية يعدونه علماً، سوى هذا علمه إياهم ورخص لهم أن يعاطوا زجر الطير الذي كان أهل الجاهلية يعدونه علماً ويظنونه حقاً، بل أبطله وزجر عنه) .
ويقطع بأن هذا هو مقصود أبي ذر - رضي الله عنه- أن الطبراني أخرج الحديث باللفظ التالي: قال أبو ذر -رضي الله عنه-: تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما، قال: فقال: - صلى الله عليه وسلم-: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم"(المعجم الكبير ٢/١٥٥-١٥٦) .وهذا اللفظ يدل أن العلم الذي كان عند الصحابة -رضي الله عنهم- في الطير هو ما يخص أحكامها الشرعية، كما فصله الخطابي سابقاً. وليس العلم بأنواعها فصلا، ولا ما سيقع لها، ومنها من الحوادث إلى يوم القيامة!! فهذا لا يقول به عاقل، ولا يتصور أحد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمه، ولا أنه علمه أصحابه - رضي الله عنهم- وانشغل بتعليمهم إياه، ولا أنهم -رضي الله عنهم- حفظوه عنه -صلى الله عليه وسلم-!! هذا كله لا يقول به عاقل، ولا يتصوره.