الثانية: أجمعت الأمة من السلف والخلف على جواز النسخ ووقوعه في القرآن الكريم بدليل قوله – تعالى -:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير "[البقرة: ١٠٦] ، وقوله:" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "[الرعد: ٣٩] ، وقوله:" وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعقلون "[النحل: ١٠١] . فهذه الآيات نصت على أن الله إذا أراد نسخ حكم أو تأجيله أتى بحكم مثله أو أفضل منه؛ لأن علمه محيط بكل شيء في هذا الكون، ومسطور عنده في اللوح المحفوظ، ويمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء ممّا فيه مصلحتهم، وهو العليم في إبداله آية مكان أخرى، وحكماً مكان آخر، وبهذا يتبين أن كل المعاني اللغوية في النسخ متحققة في معناه الشرعي، على أن السلف من الصحابة والتابعين أكثر ما يطلقون لفظ النسخ في القرآن يريدون به التخصيص وهو غير ما يريده أو عرفه به علماء الأصول، حيث هو عندهم:(رفع الحكم السابق بحكم لاحق بدليل شرعي متراخياً عنه) ، فالمعنى عند السلف حين فسروا النسخ بالتخصيص أوسع من تعريف المتأخرين، وقد بالغ بعض المفسرين في تعيين المنسوخ من آيات القرآن حتى عدوا جميع آيات الجهاد في القرآن وقالوا: نسختها آية واحدة هي آية السيف " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة "[التوبة: ٣٦] ، وقالوا: إن هذه الآية نسخت ما يقرب من (٥٠٠) آية من القرآن، وهذه المبالغة في هذا التوجه إنما هو مسايرة للمفهوم الأول للنسخ، المعروف عند السلف من الصحابة والتابعين كعبد الله بن عباس، وابن عمر، ومجاهد، والحسن البصري، ولو طبق على كل هذا العدد من الآيات التي يقال إنها منسوخة. - الاصطلاح الثاني – اصطلاح المتأخرين من علماء أصول التفسير والفقه لا نحصر هذا إلى عدد رؤوس الأصابع، فمثلاً الإمام محمد بن جرير الطبري شيخ المفسرين يرى أن آيات الجهاد