واليهود قد تذرعوا ظاهراً لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله – بالبداء، وهو: الظهور بعد الخفاء، وتبعهم الرافضة الغلاة، ويروون عن جعفر الصادق أنه قال:" البداء ديني ودين أبائي "، ومتى كان اليهود يقصدون التنزيه للباري - سبحانه -، وهم الذين وصفوه بأحط الصفات – تعالى - الله عن ذلك علواً كبيراً، وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: الملائكة بنات الله.. إلخ. وإنما كان قصد اليهود في مقالتهم تلك لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله كتمان الحق، وكراهية أهله، وبغضاً لمحمد – صلى الله عليه وسلم – الذي يعرفونه حق المعرفة " الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ... "[الأعراف:١٥٧] .
أما إنكار أبي مسلم الأصبهاني المعتزلي (ومخالفته لجمهور المعتزلة أيضاً) ، وبعض الكتاب المعاصرين إنما كانت مخالفتهم لجهلهم باللغة العربية، وأقوال سلف الأمة، ومحبتهم للتجديد والمخالفة طلباً للشهرة واتباعاً لكل قول مطمور مهجور.
الرابعة: سبق أن ذكرت بأن التخصيص (النسخ عند السلف) أعم من النسخ عند المتأخرين؛ لأن التخصيص قد يكون بالتقييد بعد الإطلاق، أو بالتفصيل بعد الإجمال، أو بالوصف، أو الاستثناء.. إلخ، وهذا معلوم في مظانِّه وعند أهله المتخصصين به.
ويجب أن يعلم أن النسخ في القرآن لا يقع إلا في خطاب الأمر والنهي، ولا يقع في الأخبار، فلم يقع في قصص الماضين، ولا في أمور الاعتقاد؛ كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ولا في أسماء الله وصفاته، كما لا يقع النسخ في الأمور الكونية كقوله:" الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت "[الملك: ٣] . ونحو قوله:" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون "[يس: ٣٧] .
الخامسة: بعض الآيات المنسوخة حكماً عند جمهور الأمة من السلف والخلف:
١) نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في المسجد الحرام.